معسكر العدو الحربي الهاجم على أهل الإسلام المستولي على بعض ديارهم، المجتهد في هدم قواعد دينهم وطمس أصوله وفروعه، وفي نصرة الشرك والتعطيل وإعزاز جيوشه وجموعه، فالمسافر إليهم كالمسافر إلى معسكر هو بصدد ذلك، كمعسكر التتر، ومعسكر قريش يوم الخندق ويوم أحد، أفيقال هنا بجواز السفر لأن السفر إلى بلاد المشركين يجوز لمن أظهر دينه؟ وهل لهذا القول حظ من النظر والدليل، وهو سفسطة وضلال عن سواء السبيل؟
والعلم ليس بنافع أربابه ... ما لم يفد نظرا وحسن تبصر
وفي سنن أبي داود ومسند الإمام أحمد – الذي قال فيه قد جمعته للناس إماماً – من حديث أبي بكرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ينْزل ناس من أمتي بغائط يسمونه البصرة، عند نهر يقال له دجلة، يكون عليه جسر. يكثر أهلها، ويكون من أمصار المهاجرين وفي رواية والمسلمين. فإذا كان آخر الزمان جاء بنو قنطوراء عراض الوجوه صغار الأعين حتى ينزلوا على شط النهر، فيفترق أهلها ثلاث فرق فرقة يأخذون أذناب البقر والبرية وهلكوا، وفرقة يأخذون لأنفسهم وكفروا، وفرقة يجعلون ذراريهم خلف ظهورهم ويقاتلونهم وأولئك هم الشهداء " 1.والحديث – وإن كان في سنده سعيد بن جهمان، فقد وثقه أبو داود الذي ألين له الحديث كما ألين لداود الحديد، فقسمهم ثلاث فرق، وأخبر أن من أخذ لنفسه وألقى السلم، وترك الجهاد فقد كفر، ومن أعرض عن جهادهم وتباعد عنهم مقبلا على إصلاح دنياه وحرثه فقد هلك، ولم ينج إلا من قام بجهادهم، وانتصب لحربهم، ونصر الله ورسوله، وأخبر أن أولئك هم الشهداء، وأنهم مخصوصون بالشهادة دون سائر الشهداء، كما يستفاد من الجملة الاسمية المعرفة الطرفين