الطيب، وأبي يعلى، وغيرهما ممن يقول: لا يفعل لعلة، قالوا: واللفظ لأبي يعلى هذا بمعنى الخصوص، لأن البُله والأطفال والمجانين لا يدخلون تحت الخطاب، وإن كانوا من الإنس، وكذلك الكفار، بدليل قوله -تعالى-: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ} 1، فمن خلق للشقاء ولجهنم لم يخلق للعبادة. (قلت) : قوله: وهذا قول طائفة من السلف والخلف، يعني بالتخصيص في الآية، لا أصل القول الثالث، ثم قال شيخ الإسلام: قلت: قول الكرامية ومن وافقهم، وإن كان أرجح من قول المعتزلة، لما أثبتوه من حكمة الله، وقولهم في تفسير الآية، وإن وافقوا فيه بعض السلف، فهو قول ضعيف، مخالف لقول الجمهور. (والقول الرابع) : إنه على العموم، لكن المراد بالعبادة تعبيده لهم، وقهرهم ونفوذ قدرته ومشيئته فيهم، وأنه أصارهم إلى ما خلقوا له من السعادة والشقاوة، وفسروا العبادة بالتعبيد القدري، وهذا يشبه قول من يقول من المتأخرين: أنا كافر برب يعصى. فإنه جعل كل ما يقع من العباد طاعة، كما قال قائلهم:

أصبحت منفعلا لما يختاره ... مني ففعلي كله طاعا

وأما هؤلاء فجعلوا عبادة الله كون العباد تحت المشيئة، وكان بعض شيوخهم يقول عن إبليس: إن كان قد عصى الأمر فقد أطاع القدر والمشيئة. وما رواه ابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم في قوله: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} 2 قال: جبلهم على الشقاوة والسعادة. وقال وهب: جبلهم على الطاعة، وجبلهم على المعصية. وقد روي أيضا عن طائفة نحوه، وهؤلاء، وإن وافقوا من قبلهم في معنى الآية فهم -أعني زيد بن أسلم ووهب بن منبه- من أعظم الناس

طور بواسطة نورين ميديا © 2015