وقدرته وعزته وحكمته وربوبيته العامة، وكلماته التامة التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر مانعة ومبطلة لقول القدرية النفاة. فإن الصحابة قاطبة، وسائر أهل السنة والجماعة متفقون على أنه ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، ويؤمنون بأن الله -تبارك وتعالى- عالم بجميع الكائنات قبل أن تكون كيف تكون؛ وغلاة منكري القدر قد أنكروا هذا العلم، فكفرهم بذلك الأئمة أحمد وغيره. وأما من قال بإثبات القدر، خيره وشره، حلوه ومره، فلا يلزمه ولا يرد عليه ما ورد على القدرية النفاة من لزوم خروج العبد عن فعل المولى. وإن قال: إن العبد قد يخرج عن الإرادة الدينية الشرعية إلى ما يضادها من المعاصي والكفر والفسوق، فيكون بذلك مخالفا للأوامر الشرعية، وإن كان داخلا تحت المشيئة الكونية القدرية. فالخروج عن القدر والمشيئة نوع، والخروج عن الأوامر الشرعية نوع آخر. فالأول غير ممكن لجميع المخلوقات لجريان الأقدار عليهم طوعا وكرها. أما الثاني فيقع من الأكثر: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} 1، ولله –سبحانه وتعالى- في خروج الأكثر عن أمره حكمة، يحبها ويرضاها، لائقة بعلمه وحكمته وعدله وربوبيته، يستحق أن يُحمد عليها.

[الأقوال في قوله عز وجل {إلا ليعبدون} ]

وقد رأيت لشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- كلاما حسنا في معنى قوله -تعالى-: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} 2، ذكر فيه ستة أقوال: (أحدها) : قول نفاة الحكم كالأشاعرة ومن وافقهم، كالقاضي أبي يعلى وابن الزاغوني والجويني والباجي، وهو قول جهم بن صفوان، ومن اتبعه من المجبرة، قائلين بنفي الحكمة، وأنها تفضي إلى الحاجة. فنفوا أن يكون في القرآن لام كي، وقالوا: يفعل ما يشاء لا لحكمة، فأثبتوا القدرة والمشيئة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015