ديارهم؛ إذ العدل والإحسان والإنصاف مطلوبٌ محبوبٌ شرعا ولذا علل هذا الحكم بقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} 1. وأما قوله {أَنْ تَبَرُّوهُمْ} 2 فقد قال بعض المُعْرِبِينَ: إنه بدل من الموصول بدل اشتمال، و"أن" وما دخلت عليه: في تأويل مصدر، والتقدير: لا ينهاكم الله عن بِرِّ مَن لم يقاتل في الدين، ولو قال هذا البعض: إنه بدل3 بُدَاءً: لكان أظهر؛ إذ لا يظهر الاشتمال بأنواعه هنا؛ والأظهر عندي أنْ لا بدلَ مطلقا؛ وأن الموصول معمولٌ للمصدر المتأخر المأخوذ من "أن" وما دخلت عليه؛ فالموصول إذًا في محل نصب بالمصدر المسبوك؛ وتَأَخُّرُ العاملِ لا يضر، وأما على البدلية فهو في محل جر. وقوله: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} 4، أكد الجملة هنا لمناسبة مقتضى الحال؛ إذ المقام مظنة لغلط الأكثر؛ ولتوهم خلاف المراد فاقتضى التأكيد والتوفية بالأداة؛ كما يعلم من فن المعاني؛ وقوله: {فِي الدِّينِ} الفاء سببية كما في قوله: "دخلت النار امرأة في هرة" 5 الحديث. وسبب النّزول ما رواه الإمام أحمد في مسنده حدثنا أبو معاوية حدثنا هشام بن عروة عن فاطمة بنت المنذر عن أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنها- قالت: قدمت أمي وهي مشركة في عهد قريش إذ عاهدوا، فأتيتُ النبي صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله: " إن أمي قدمتْ وهي راغبة، أفأصلها؟ قال: نعم صلي أمك" 6، وهذا الحديث أخرجه البخاري ومسلم. وفي بعض الطرق: أنها جاءت لابنتها بهدية ضباب وأقط وسمن، فأبت أسماء أن تقبل منها وتدخل البيت حتى سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله هذه الآية. وأما قول ابن زيد وقتادة: إنها منسوخة، فلا يظهر؛ لوجوه: منها: أن الجمع بينها وبين آية القتال ممكنٌ غيرُ متعذرٍ، ودعوى النسخ يصار إليها