من أعظم ذلك وأفحشه: ما يصدر مِن بعض مَن يظنه العامةُ مِن أهل العلم وحَمَلة الدين، وما يصدر منهم من التشبيه، والعبارات التي لم يتصل سندُها ولم يُعصم قائلُها، وبهذا ونحوه اتسع الخرق، وفي حديث ثوبان: " وإنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين " 1، وهو يتناول مَن له إمامة ممن ينتسب إلى العلم والدين، وكذلك الأمراء. وأبيات عبد الله بن المبارك معلومةٌ لديكم في هذين الصنفين أعني قوله:
وهل أفسد الدين إلا ... الملوك إلى آخره
وفي مثل هؤلاء قال قتادة: فوالله ما آسى عليهم، ولكن آسى على مَن أهلكوا، وكما نقلتم عن بعضهم زعم أن الشيخ الوالد -قدس الله روحه، ونور ضريحه- أفتى فيمن يسافر إلى بلاد المشركين بأن غاية ما يفعل معه هو الهجر، وترك السلام بلا تعنيف ولا ضرب، وهذه غلطة من ناقلها لم يفهم مراد الشيخ -إن صح نقله- ولم يدر ما يراد بها. وهذا النقل يطالب بصحته أولا، فإن ثبت بنقل عدل ضابط فيحمل على قضية خاصة يحصل بها المقصود بمجرد الهجر، وهي فيمن ليس له ولاية ولا سلطان له على الأمراء والنواب، ويترتب على تعزيره بغير الهجر مفسدة الافتيات على ولي الأمر والنواب، ونحو هذه المحامل. ويتعين هذا -إن صحت-، لأن هذا ذنب قد تقرر أنه من الكبائر المُتَوَعَّدُ صاحبها بالوعيد الشديد بنص القرآن وإجماع أهل العلم، إلا لمن أظهر دينه، وهو العارف به، القادر على الاستدلال وعلى إظهاره، فإنه مُستثنًى من العموم، وأما غيره فالآية تتناوله بنصها لأن الإقامة تصدق على القليل والكثير. فالكبائر التي ليس فيها حَدٌّ يُرجع فيها إلى ما تقتضيه المصلحة من التعزير كالهجر والضرب، وقد يقع التعزير بالقتل كما في حديث