عنه من المنكر، ويجاهدون مع كل إمام كما هو منصوص عليه في عقائد أهل السنة. ولم يقل أحد منهم بجواز قتال المتغلب والخروج عليه، وترك الأمة تموج في دمائها وتستبيح الأموال والحرمات، ويجوس العدو الحربي خلال ديارهم وينزل بحماهم، هذا لا يقول بجوازه وإباحته إلا مُصَاب في عقله، مَوْتُورٌ في دينه وفهمه، وقد قيل:
لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم ... ولا سراة إذا جهالهم سادوا
بل هذا الحكم الديني يؤخذ من قوله تعالى: {اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا} 1، لأنه لا يحصل القيام بهذا الواجب إلا بما ذكرنا، وتركُهُ مفسدةٌ محضةٌ، ومخالفةٌ صريحةٌ قال تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} 2.وفي الحديث: " إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه " 3، لا سيما وقد نزل العدو بأطرافكم، واسْتَخَفَّ الشيطانُ أكثرَ الناس، وزَيَّنَ لهم الموالاة واللحاق بالمشركين، وإسناد أمر الرياسة إليهم، وأنهم ولاة أمر يَعْرِفُونَ ويُوَلُّونَ، ويَنْصُرُونَ وَيُنَصِّبُونَ، وأنهم جاؤوا لنصرة فلان كما ألقاه الشيطان على ألسن المفتونين، وصاروا بعد التَّرَسُّمِ بالدين من جملة أعوان المشركين، المبيحين لترك جهاد أعداء رب العالمين، فما أعظمها من مكيدة، وما أكبرها من خطيئة، وما أبعدها من دين الله ورسوله: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} 4.وما صدر من بعض الإخوان من الرسائل المُشْعِرَةِ بجواز الاستنصار بهم وتهوين فتنتهم، والاعتذار عن بعض أكابرهم، زلةٌ لا يرقى سليمها، وورطةٌ قد هلك وضلَّ زعيمُها، وما أحسن قوله: {قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا} 5 فاقبلوا وامتثلوا