كما قال تعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ} الآية. فمن عرف هذا حق المعرفة، وتبين له الأمر على وجهه، عرف حينئذ قدرَ نعمة الله عليه، وما اختصه به إن كان من أهل العلم والإيمان، لا من ذوي الغفلة عن هذا الشأن.
[الإمام محمد بن عبد الوهاب وبدء دعوته]
وقد اختصكم الله – تعالى- من نعمة الإيمان والتوحيد بِخَالِصَةٍ، ومنَّ عليكم بمِنَّةٍ عظيمة صالحة من بين سائر الأمم وأصناف الناس في هذه الأزمان؛ فأتاح لكم من أحبار الأمة وعلمائها حَبْرًا جليلا وعَلَمًا نبيلا فقيها عارفًا بما كان عليه الصدر الأول، خبيرا بما انْحَلَّ من عُرَى الإسلام وتحول. فتجرد إلى الدعوة إلى الله، وردِّ الناس إلى ما كان عليه سلفُهم الصالح في باب العلم والإيمان، وباب العمل الصالح والإحسان، وترك التعلق على غير الله من الأنبياء والصالحين وعبادتهم، والاعتقاد في الأحجار والأشجار والعيون والمَغَار، وتجريد المتابعة لرسول الله –صلى الله عليه وسلم- في الأقوال والأفعال. وهجر ما أحدثه الخلوف والأغيار، فجادل في الله، وقَرَّرَ حُجَجَه وبيناته، وبذل نفسه لله، وأنكر على أصناف بني آدم الخارجين عما جاءت به الرسل المعرضين عنه، التاركين له. وصنَّفَ في الرد على مَن عاند أو جادل ومَاحَلَ، وجرى بينهم من الخصومات والمحاربات ما يطول عدُّهُ. وكثير منكم يعرف بعضه ووازره -على ذلك- مَن سبقت له من الله سابقة السعادة. وأقبل على معرفة ما عنده من العلم، وأراده من أسلافك الماضين وآبائك المتقدمين -رحمهم الله رحمة واسعة، وجزاهم عن الإسلام خيرا- فما زالوا من ذلك على آثار حميدة، ونِعَمٍ عديدة، يصنع لهم –تعالى- من عظيم صنعه، وخفي لطفه، ما هداهم به إلى دينه الذي ارتضاه لنفسه، واختص به مَنْ شاء كرامته وسعادته من خلقه، وأظهر لهم من الدولة ما ظهروا به