عليهم من مَسَبَّة آبائهم وتسفيه أحلامهم، ونقص رياستهم أو ذهاب مآكلهم ما يحول بينهم وبين مقاصدهم ومآربهم. فلذلك عدلوا إلى ما اختاروه من الرد والمكابرة والتعصب على باطلهم والمثابرة، وأكثرهم يعلمون أنه مُحِقٌّ، وأنه جاءهم بالهدى، ودعا إليه لكن في النفوس موانع، وهناك إرادات ومؤاخاة ورياسات لا يقوم ناموسها، ولا يحصل مقصودها: إلا بمخالفته وترك الاستجابة له وموافقته. وهذا هو المانع في كل زمان ومكان من متابعة الرسل، وتقديم ما جاؤوا به، ولولا ذلك ما اختلف من الناس اثنان، ولا اختصم في الإيمان بالله وإسلام الوجه له خَصْمَان. وما زال حاله صلى الله عليه وسلم مع الناس كذلك حتى أيد الله دينه ونصر رسوله بصفوة أهل الأرض، وخيرهم ممن سبقت له من الله السعادة، وتأهل بسلامة صدره لمراتب الفضل والسيادة، وأسلم منهم الواحد بعد الواحد، وصار بهم على إبلاغ الرسالة مُعَاوَن ومُسَاعَد حتى مَنَّ الله على ذلك الحي من الأنصار بما سبقت لهم به من الحسنى والسيادة والأقدار، فاستجاب لله ورسوله منهم عصابة حصل بهم من العز والمَنَعَة ما هو عنوان التوفيق والإصابة. وصارت بلدهم بلد الهجرة الكبرى والسيادة الباذخة العظمى، هاجر إليها المؤمنون، وقصدها المستجيبون حتى إذا عز جانبهم وقويت شوكتهم أذن لهم في الجهاد بقوله: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} ثم لما اشتد ساعدهم وكثر عددهم أنزلت آية السيف، وصار الجهاد من أفرض الفروض، وآكد الشعائر الإسلامية، فاستجابوا لله ورسوله، وقاموا بأعباء ذلك وجردوا في حب الله ونصرة دينه السيوف، وبذلوا الأموال والنفوس، ولم يقولوا كما قالت بنو إسرائيل لموسى: {فَاذْهَبْ أَنْتَ