ولإجماع سلف الأمة مكابر للعقول الصحيحة والنصوص الصريحة، وهو جهمي لا ريب من جنس ما قبله. وإن لم يرد هذا المعنى بل أثبت العلو والفوقية والارتفاع الذي دل عليه لفظ الاستواء، فيقال فيه: هو مبتدع ضال، قال في الصفات قولا مشتبها موهما. فهذا اللفظ 1 لا يجوز نفيه ولا إثباته، والواجب في هذا الباب متابعة الكتاب والسنة والتعبير بالعبارات السلفية الإيمانية وترك المتشابه. وأما من يقول: إذا قلتم: "إن الله على العرش استوى" فأخبروني قبل أن يخلق العرش كيف كان، وأين كان، وفي أي مكان؟ فجوابه أن يقال: أما كيف كان، فقد أجاب عنها إمام دار الهجرة الذي تضرب إليه أكباد الإبل في طلب العلم النبوي والميراث المحمدي، قال له السائل: يا أبا عبد الرحمن {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} 2 كيف استوى فقال مالك: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والسؤال عنه بدعة، وأمر بالسائل فأخرج عنه. فأخبر –رحمه الله- أن الكيف غير معلوم، لأنه لا يعلم إلا بعلم كيفية الذات؛ وقد حجب العباد عن معرفة ذلك لكمال عظمته وعظم جلاله. وعقول العباد لا يمكنها إدراك ذلك، ولا تحمله، وإنما أمروا بالنظر والتفكر فيما خلق وقدر. وإنما يقال: كيف هو؟ لمن لم يكن ثم كان، فأما الذي لا يحول، ولا يزول، ولم يزل، وليس له نظير. ولا مثل، فإنه لا يعلم كيف هو إلا هو، وكيف يعرف قدر من لم يبد، ولا يموت ولا يبلى، وكيف يكون لصفة شيء منه حد ومنتهى يعرفه عارف، أو يحد قدره، واصف؟