مشركون؟ فنقول: أمّا مَن دخل منهم في الإسلام ثم ارتدّوا عنه فهؤلاء مرتدّون وأمرهم عندك واضح. وأمّا مَن لم يدخل في دِين الإسلام بل أدركته الدّعوة الإسلامية وهو على كفره كعبدة الأوثان اليوم، فهذا حكمه حكم الكافر الأصلي؛ لأنّا لا نقول إنّ الأصل الإسلام والكفر طارئ، بل نقول الذين نشأوا بين الكفّار وأدركوا آباءهم على الشّرك بالله هم كآبائهم كما دلّ عليه الحديث الصّحيح:"فأبواه يهوّدانه أو ينصّرانه أو يمجّسانه".فإذا كان دِين آبائهم الشّرك بالله فنشأ هؤلاء عليه واستمرّوا عليه فلا نقول الأصل الإسلام والكفر طارئ، بل نقول: هم كالكفّار الأصليّين، ولا يلزم هنا على هذا تكفير مَن مات في الجاهلية قبل ظهور هذا الدِّين. فإنّا لا نكفِّر النّاس بالعموم كما أنّا لا نكفِّر اليوم بالعموم، بل نقول: مَن كان من أهل الجاهلية عاملاً بالإسلام تاركاً للشّرك فهو مسلم، وأمّا مَن كان يعبد الأوثان ومات على ذلك قبل ظهور هذا الدِّين فهو ظاهره الكفر، وإن كان يحتمل أنّه لم تقم عليه الحجّة الرّسالية لجهله وعدم مَن ينبّهه؛ لا أنّا نحكم على الظّاهر.

وأمّا الحكم على الباطن فذاك أمره إلى الله، والله تعالى لم يعذر أحداً إلاّ بعدم قيام الحجّة، كما قال تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} ، [الإسراء، من الآية: 15] .

وأمّا مَن مات منهم مجهول الحال، فهذا لا نتعرّض له ولا نحكم بكفره ولا بإسلامه، وليس ذلك مما كلفنا به {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} ، [البقرة: 134] .فمَن كان منهم مسلماً أدخله الله الجنّة، ومَن كان كافراً أدخله الله النّار، ومَن كان لم تبلغه الدّعوة فأمره إلى الله، وقد علمت اختلاف العلماء في أهل الفترة، ومَن لم تبلغه الحجّة الرّسالية، وأيضاً فإنّه لا يمكن أن نحكم في كفار زماننا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015