وكذا إذا تلفت المنافع في مدّة الآخر قبل تمكنّه من استيفاء حقّه فهل يرجع على الأوّل ببدل حصّته أم لا؟
فنقول: قال العلماء القسمة نوعان: قسمة تراضٍ، وهي: ما فيها ضرر أو ردّ عوضٍ من أحدهما كالدّور الصّغار والحمام والبيوت المتلاصقة التي لا يمكن قسمة كلّ عينٍ مفردة منها. والأرض التي في بعضها بئر أو بناء ونحوه لا يمكن قسمته بالإجزاء والتّعديل إذا رضوا بقسمتها أعياناً بالقيمة جاز؛ لأنّ الحقّ لهم لا يخرج عنهم، وقد روضوا بقسمته، وهذه جارية مجرى البيع لا يجبر عليها الممتنع، ولا يجوز فيها إلاّ ما يجوز في البيع، لما روى مالك في الموطّأ عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه أنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ قال: "لا ضرر ولا ضرار ".والضّرر المانع من القسمة هو نقص القيمة بالقسم. وقال الخرقي: هو ما لا يمكن قسمه ولا الانتفاع بنصيبه منفرداً فيما كان ينتفع به مع الشّركة، مثل أن يكون بينهما دار صغيرة إذا قسمت أصاب كلّ واحدٍ منهما موضعاً ضيّقاً لا ينتفع به، ولو أمكن أن ينتفع به في شيء غير الدّار ولا يمكن أن ينتفع به داراً لم يجبر على القسمة أيضاً؛ لأنّه ضرر يجري مجرى الإتلاف. وهذه إحدى الرّوايتين عن أحمد.
والثّانية: أنّ المانع هو أن ينقص قيمة نصيب أحدهما بالقسمة عن حال الشّركة، وسواء انتفعوا به مقسوماً أو لم ينتفعوا، قال القاضي: هذا ظاهر كلام أحمد، وهذا ظاهر كلام الشّافعي؛ لأنّ نقص قيمته ضرر شرعاً، والضّرر ينتفي.
فأمّا إن كان الضّرر على أحدهما دون الآخر كرجلين لأحدهما الثّلثان وللآخر الثّلث ينتفع صاحب الثّلثين بقسمتها ويتضرّر الآخر فطلب مَن لا يتضرّر القسم لم يجبر الآخر، وإن طلبه الآخر أجبر الأوّل. قال القاضي: إن طلبه الأوّل أجبر الآخر. وذكره أبو الخطاب، وهو ظاهر كلام أحمد في