فيه ببيع، أو نححوه هل يكون هذا قبضاً لدين السّلم أم لا؟
فإن قلتم قبضاً فما تفعل بقولهم يحصل القبض فيما بيع بالكيل أو الوزن بكيله أو وزنه؟ وذكروا الأدلّة على ذلك. ثم قالوا: وعن أحمد رواية أنّ قبض جميع الأشياء بالتّخلية.
فنقول: وبالله التّوفيق: يجوز أن يأخذ المسلم فيه جزافاً مثل أن يأخذ ثمرة من التّمر خرصاً على رؤوس النّخل أو في البيدر.
قال البخاري ـ رحمه الله ـ: باب إذا قاص أو جازف في الدّين فهو جائز تمر بتمر أو غيره ثم روى بإسناده عن جابر أنّ أباه توفي وترك عليه ثلاثين وسقاً لرجل من اليهود فاستنظره جابر فأبى أن ينظر فكلم جابر رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ ليشفع له إليه، فجاء رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ فكلّم اليهود ليأخذ ثمر نخله بالذي له فأبى فدخل النَّبِيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ فمشى فيها ثم قال لجابر: " جذّه له فأوف له الذي له "، فجذه بعدما رجع رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ فأوفاه ثلاثين وسقاً، وفضل له سبعة عشر وسقاً فجاء جابر النَّبِيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ فيخبره بالذي كان فوجده يصلّي العصر فلما انصرف أخبره بالفضل فقال:"أخبر بذلك ابن الخطاب"، فذهب جابر إلى عمر فأخبره، فقال: لقد علمت حين مشى فيها رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ ليباركن الله فيها. اهـ.
فترجمة البخاري والحديث الذي ذكره دالّ على جوازه، وهو اختيار شيخنا ـ رحمه الله ـ. وترجمة البخاري على حديث جابر ترجمة أخرى، فقال: باب إذا قضى دون حقّه وحلله فهو جائز. انتهى.
وباب الإيفاء عندهم أسع من باب البيع، ويغتفر فيه ما لا يغتفر في البيع.
وأمّا كلام الفقهاء، فقال في المغني والشّرح: لا يقبض ما أسلم فيه كيلاً إلاّ بالكيل، ولا وزناً إلاّ بالوزن، ولا بغير ما قدر به وقت العقد؛ لأنّ الكيل والوزن يختلفان، فإنّ قبضه بذلك أي قبض المكيل وزناً والموزون كيلاً فهو كقبضه جزافاً. ومتى قبضه فإنّه يأخذ قدر حقّه