" ما منا إلاّ من عصى أو همّ بمعصية إلاّ يحيى بن ز كريا"، والإجماع منعقد على أنّ الأنبياء معصومون من الكبائر والصّغائر، وإذا قيل إنّهم معصومون من الكبائر والصّغائر فما بال أولاد يعقوب؟ ومعلوم بالضّرورة أنّهم أنبياء وحال آدم حين قال الله: {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى} ، [طه، من الآية: 121] ، وكذلك داود مع قوله ـ عليه السّلام ـ:" كلّنا خطّاؤون ".
(فالجواب) : من وجوه:
الوجه الأوّل: أنّ لفظ الحديث المروي في ذلك: "ما من أحدٍ يلقى الله يوم القيامة إلاّ ذا ذنبٍ إلاّ يحيى بن زكريا".أخرجه عبد الرّزّاق في مصنّفه: أنبأنا معمر عن قتادة في قوله: {وَلَمْ يَكُنْ جَبَّاراً عَصِيّاً} ، [مريم، من الآية: 14] .قال: كان ابن المسيب يذكر أنّ النَّبِي ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ قال: فذكره. وهذا مرسل، لكن أصحّ المراسيل عند أهل الحديث مرسل سعيد بن المسيب، لكن أخرج أحمد في مسنده عن ابن عبّاس ـ رضي الله عنهما ـ مرفوعاً إلى النَّبِيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ: "ما من أحد من ولد آدم إلاّ قد أخطأ أو هم بخطيئة ليس يحيى بن زكريا، وما ينبغي لأحدٍ أن يقول أنا خير من يونس بن متي ".
الوجه الثّاني: أنّ الذي عليه المحقّقون من العلماء من الحنابلة والشّافعية والمالكية والحنفية، أنّ الأنبياء معصومون من الكبائر، وأمّا الصّغائر فقد تقع منهم لكنهم لا يقرّون عليها؛ بل يتوبون منها ويحصل لهم بالتّوبة أعظم مما كان قبل ذلك، وجميع أهل السّنة والجماعة متّفقون على أنّهم معصومون في تبليغ الرّسالة، ولا يجوز أن يستقرّ في شيءٍ من الشّريعة خطأ باتّفاق المسلمين.
قال شيخ الإسلام تقي الدّين أبو العبّاس ابن تيمية الحنبلي ـ رحمه الله ـ في كتاب: (منهاج السّنة النّبويّة في نقض كلام الشّيعة والقدرية) : واتّفق المسلمون على أنّ الأنبياء معصومون في تبليغ الرّسالة، فكلّ ما يبلّغونه عن