روى الإمام أحمد وغيره -بسند حسن- عن عبد الله بن عمر أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: " بعثت بالسيف بين يدي الساعة حتى يُعْبَد الله وحده "1 الحديث. فكان الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو إلى هذا الأصل العظيم، والركن القويم، ويغرسه في نفوس أصحابه، ويربيهم عليه، ويحمي حماه، إلى أن لحق بالرفيق الأعلى، والمحل الأسنى. فقام أصحابه من بعده بأعباء الدعوة إلى هذا الأصل العظيم حق القيام، وتحملوا في سبيله جميع المصاعب والأسقام، وألقوا إلى تابعيهم ما تَلقوه عن مشكاة الأنام صلى الله عليه وسلم.
ثم سار التابعون لهم بإحسان على هذا المنهج القويم، والصراط المستقيم، وهكذا أتباع التابعين، إلى أن أذن الله -جل جلاله- بإخراج أقوام اتخذوا دينهم لهوا ولعبا؛ فحرفوا كلام الله سبحانه عن مواضعه، وتركوا العمل بمحكمه واتبعوا متشابهه، فضلوا وأضلوا عن الله وعن طريقه، واتبعوا الشيطان وما يُمْلِيه من تحريفه وتضليله، حتى أوشك عرش الإسلام بالحبوط، وقارب الانهيار والهبوط لولا أن الله تعالى وفق رجالا للدفاع عن سبيله والذَّبِ عن حِيَاضه وطريقه لكان ذلك مشاهدا بالعيان، ومُدَوَّنًا في أخبار الزمان.
ولكن الله -جل وعلا- تكفل لهذه الأمة بحفظ دينها وكتابها؛ وذلك ببقاء طائفة منهم على الحق ظاهرين منصورين، لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك 2.وأخبر الرسول –صلى الله عليه وسلم- أن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة مَن يجدد لها دينها 3.
ونحن نستبشر بهذين الأثرين أَيَّمَا استبشارٍ، لما فيهما من تسلية الغرباء في كافة القرى والأمصار، وما زال الناس يرون تصديق هذين الخبرين بالأبصار؛ فكلما طُمِسَتْ معالم هذا الدين بظهور الفجار، وهُدِمَتْ مساجده بقتل رجاله الأبرار، ونُكِّسَتْ أعلامه في جميع الأقطار انتدب الله من عباده فَارِسًا مغوارًا،