وكنت أبين أن ما نقل عن السلف والأئمة من إطلاق القول بتكفير من يقول كذا وكذا فهو أيضا حق، لكن يجب التفريق بين الإطلاق والتعيين، إلى أن قال:
والتكفير هو من الوعيد، فإنه وإن كان القول تكذيبا لما قاله الرسول، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لكن قد يكون الرجل حديث عهد بإسلام، أو نشأ ببادية بعيدة، ومثل هذا لا يكفر بجحد ما يجحده حتى تقوم عليه الحجة، وقد يكون الرجل لم يسمع تلك النصوص أو سمعها، ولم تثبت عنده أو عارضها عنده معارض آخر، أوجب تأويلها وإن كان مخطئا.
وكنت دائما أذكر الحديث الذي في الصحيحين في الرجل الذي قال: «إذا أنا مت فأحرقوني، ثم اسحقوني، ثم ذروني في اليم فوالله لئن قدر الله علي ليعذبني عذابا ما عذبه أحدا من العالمين. ففعلوا به ذلك فقال الله: ما حملك على ما فعلت؟ قال: خشيتك فغفر له» .
فهذا رجل شك في قدرة الله وفي إعادته إذا ذرى، بل اعتقد أنه لا يعاد وهذا كفر باتفاق المسلمين، لكن كان جاهلا لا يعلم ذلك، وكان مؤمنا يخاف الله أن يعاقبه فغفر له بذلك.
والمتأول من أهل الاجتهاد الحريص على متابعة الرسول، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أولى بالمغفرة من مثل هذا. ا. هـ.
وبهذا علم الفرق بين القول والقائل، وبين الفعل والفاعل، فليس كل قول أو فعل يكون فسقا أو كفرا يحكم على قائله أو فاعله بذلك، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ص165جـ35 من مجموع الفتاوى:وأصل ذلك أن المقالة التي هي كفر بالكتاب والسنة والإجماع، يقال:هي كفر قولا يطلق، كما دلت على ذلك الدلائل الشرعية، فإن الإيمان من الأحكام المتلقاة عن الله ورسوله، ليس ذلك مما يحكم فيه الناس بظنونهم وأهوائهم، ولا يجب أن يحكم في كل شخص قال ذلك بأنه كافر حتى يثبت