وأما سودة - رضي الله عنها - فقد خافت أن يطلقها النبي، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لكبر سنها فوهبت يومها لعائشة، وخوفها منه لا يلزم من أن يكون قد هم به. وأما ما روي أنه طلقها بالفعل فضعيف لإرساله.
وأما زواجه، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بزينب فليس لجمالها بل هو لإزالة عقيدة سائدة بين العرب، وهي امتناع الرجل من تزوج مفارقة من تبناه، فأبطل الله التبني وأبطل الأحكام المترتبة عليه عند العرب، ولما كانت تلك العقيدة السائدة راسخة في نفوس العرب كان تأثير القول في اقتلاعها بطيئًا، وتأثير الفعل فيها أسرع فقيض الله - سبحانه - بحكمته البالغة أن يقع ذلك من النبي، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، في تزوجه بمفارقة مولاه زيد بن حارثة الذي كان تبناه من قبل ليطمئن المسلمون إلى ذلك الحكم الإلهي، ولا يكون في قلوبهم حرج منه، وقد أشار الله - تعالى - إلى هذه الحكمة بقوله - تعالى -: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا} . ثم تأمل قوله تعالى: {زَوَّجْنَاكَهَا} . فإنه يشعر بأن تزويجها إياه لم يكن عن طلب منه، أو تشوف إليه، وإنما هو قضاء من الله لتقرير الحكم الشرعي وترسيخه، وعدم الحرج منه وبهذا يعرف بطلان ما يروى أن النبي، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أتى زيدًا ذات يوم لحاجة فرأى زينب فوقعت في نفسه وأعجبه حسنها فقال: " سبحان الله مقلب القلوب". فأخبرت زينب زيدًا بذلك ففطن له فكرهها وطلقها بعد مراجعة النبي، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقوله: {أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ} . فهذا الأثر باطل مناقض لما ذكر الله - تعالى - من الحكمة في