فهذه الآيات وغيرها تدل على أن الله يبين للخلق غاية البيان الطريق التي توصلهم إليه، وأعظم ما يحتاج الخلق إلى بيانه ما يتعلق بالله تعالى وبأسماء الله وصفاته حتى يعبدوا الله على بصيرة؛ لأن عبادة من لم نعلم صفاته، أو من ليس له صفة أمر لا يتحقق أبدا؛ فلا بد أن تعلم من صفات المعبود ما تجعلك تلتجئ إليه وتعبده حقا.
ولا يتجاوز الإنسان حده إلى التكييف أو التمثيل؛ لأنه إذا كان عاجزا عن تصور نفسه التي بين جنبيه؛ فمن باب أولى أن يكون عاجزا عن تصور حقائق ما وصف الله به نفسه، ولهذا يجب على الإنسان أن يمنع نفسه عن السؤال بـ "لم" و"كيف" فيما يتعلق بأسماء الله وصفاته، وكذا يمنع نفسه من التفكير بالكيفية.
وهذا الطريق إذا سلكه الإنسان استراح كثيرا، وهذه حال السلف رحمهم الله، ولهذا لما جاء رجل إلى الإمام مالك بن أنس رحمه الله قال: يا أبا عبد الله! {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} ، كيف استوى؟ فأطرق برأسه وقال: "الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وما أراك إلا مبتدعا".
أما في عصرنا الحاضر؛ فنجد من يقول: «إن الله ينزل إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر كل ليلة،» فيلزم من هذا أن يكون كل الليل في السماء الدنيا؛ لأن الليل يمشي على جميع الأرض؛ فالثلث ينتقل من هذا المكان إلى المكان الآخر، وهذا لم يقله الصحابة رضوان الله عليهم، ولو كان هذا يرد على قلب المؤمن؛ لبينه الله إما ابتداء أو على لسان رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أو يقيض من يسأله عنه فيجاب، كما «سأل الصحابة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أين كان الله قبل أن يخلق السماوات»