ولكن الجمهور على خلاف ذلك، وقالوا: يجب أن يأمر بالمعروف، وإن كان لا يأتيه، وينهى عن المنكر، وإن كان يأتيه، وإنما وبخ الله تعالى بني إسرائيل، لا على أمرهم بالبر، ولكن على جمعهم بين الأمر بالبر ونسيان النفس.
وهذا القول هو الصحيح، فنقول: أنت الآن مأمور بأمرين: الأول: فعل البر، والثاني: الأمر بالبر. منهي عن أمرين: الأول: فعل المنكر، والثاني: ترك النهي عن فعله. فلا تجمع بين ترك المأمورين وفعل المنهيين، فإن ترك أحدهما لا يستلزم سقوط الآخر.
فهذه ستة شروط، منها أربعة للجواز، وهي الأول والثاني والثالث والخامس، على تفصيل فيه، واثنان للوجوب، وهما الرابع والسادس.
ولا يشترط أن لا يكون من أصول الآمر أو الناهي كأبيه أو أمه أو جده أو جدته، بل ربما نقول: إن هذا يتأكد أكثر، لأن من بر الوالدين أن ينهاهما عن فعل المعاصي ويأمرهما بفعل الطاعات قد يقول: أنا إذا نهيت أبي، غضب علي، وهجرني، فماذا أصنع؟
نقول: اصبر على هذا الذي ينالك بغضب أبيك وهجره، والعاقبة للمتقين، واتبع ملة إبراهيم عليه السلام، حيث عاتب أباه على الشرك، فقال: {يَاأَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا} إلى أن قال: {يَاأَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا يَاأَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا} قال، أي: أبوه: {أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَاإِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا} [مريم: 42 - 46] . وقال إبراهيم أيضا لأبيه آزر: