الثاني: أنه يصل بصاحبه إلى حال تشبه حال المجانين والسكارى حتى إنه ليصدر عنه من الشطحات القولية والفعلية المخالفة للشرع ما يعلم هو وغيره غلطه فيها كقول بعضهم في هذه الحال: "سبحاني. . سبحاني أنا الله. ما في الجبة إلا الله أنصب خيمتي على جهنم" ونحو ذلك من الهذيان والشطح.
الثالث: أن هذا الفناء لم يقع من المخلصين الكمل من عباد الله فلم يحصل للرسل، ولا للأنبياء، ولا للصديقين والشهداء. فهذا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأى ليلة المعراج من آيات الله اليقينية ما لم يقع لأحد من البشر وفي هذه الحال كان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على غاية من الثبات في قواه الظاهرة والباطنة كما قال الله تعالى عن قواه الظاهرة: {مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى} . وقال عن قواه الباطنة: {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} . وهاهم الخلفاء الراشدون أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي - رضي الله عنهم - أفضل البشر بعد الأنبياء وسادات أوليائهم لم يقع لهم مثل هذا الفناء، وهاهم سائر الصحابة مع علو مقامهم وكمال أحوالهم لم يقع لهم مثل هذا الفناء.
وإنما حدث هذا في عصر التابعين فوقع منه من بعض العباد والنساك ما وقع، فكان منهم من يصرخ، ومنهم من يصعق، ومنهم من يموت، وعرف هذا كثيرا في بعض مشايخ الصوفية.
ومن جعل هذا نهاية السالكين فقد ضل ضلالا مبينا، ومن جعله من لوازم السير إلى الله فقد أخطأ.
وحقيقته: أنه من العوارض التي تعرض لبعض السالكين لقوة الوارد على قلوبهم وضعفها عن مقاومته، وعن الجمع بين شهود العبادة والمعبود ونحو ذلك.