ولهذا ارتحل العلماء إلى الأمصار، واتصلوا بالعلماء في كل قطر؛ للفائدة والعلم، ففي عهد الصحابة سافر بعض الصحابة من المدينة إلى مصر والشام، وإلى العراق واليمن، وإلى غير ذلك؛ للفائدة ولنقل العلم، فتجد الصحابة رضي الله عنهم - وهم أفضل الناس بعد الأنبياء - ينتقلون من بلاد إلى بلاد؛ ليسألوا عن سنة من سنن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاتتهم ولم يحفظوها، فبلغهم ذلك عن صحابي آخر فيسافر أحدهم إليه؛ ليسمع ذلك منه، ولينتفع بذلك، ولينقله إلى غيره من إخوانه في الله التابعين لهم بإحسان.
ثم جاء العلماء بعدهم من التابعين، هكذا فعلوا، ارتحلوا في العلم، وساروا في طلب العلم، وتبصروا في دين الله، وتفقهوا على الصحابة وسألوهم - رضي الله عنهم وأرضاهم - عما أشكل عليهم، وعملوا بذلك، ثم نقلوا ذلك إلى من بعدهم من أتباع التابعين رواية ودراية، ثم هكذا أتباع التابعين نقلوه لمن بعدهم، ثم ألفوا كتبا عظيمة في الحديث والتفسير واللغة العربية ... وغير هذا من أنواع العلوم الشرعية، حتى بصروا الناس، وحتى أرشدوا إلى الطريق السوي، وحتى علموهم القواعد الشرعية التي بها يعرف كتاب الله، وبها تعلم معانيه، وبها تحفظ السنة، وبها تعلم معانيها.
وبذلك يحصل العمل بكتاب الله، وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - على بصيرة وعلى هدى وعلى نور، فجزاهم الله عن ذلك خيرا وضاعف لهم الأجور، وضاعف لهم الحسنات، ونفعنا بعلومهم جميعا، وأعاذنا جميعا من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا.