رأت من الدماء المتدفّقة من سرِّ المولود، فما كان من عمّتها مهرة إلا أن ربطت السرّ، فوقفت الدماء، وقد كاد الطفل أن يموت لولا رحمة الله تعالى، وأنه تعالى جعل جدتي مهرة المذكورة سبباً في حياة الطفل، رحمها الله، وقد كانت جدتي مهرة من الذاكرات الله كثيراً، وخاصة في آخر حياتها، ومما سمعته من ذكرها في طفولتي: أنها كانت تستغفر الله كثيراً، وتسبّح، وتهلِّل، وتكبّر، ومن ذلك أنها كانت تقول: ((أستغفر الله ألفاً في ألف، عدد حروف القرآن حرفاً حرفاً، والملائكة تكتب، والله يعفو ... ))، وكنت أسمع دويَّ صوتها بالذكر في غرفتها كدويّ صوت النحل، وكانت إذا شربت لبناً أو حليباً قالت بعد الشرب: ((الحمد لله الذي أخرجه لي من بين فرثٍ ودمٍ))، أو: ((الحمد لله الذي سقاني هذا من بين فرثٍ ودمٍ)).
وقد كانت لا تقرأ ولا تكتب، ولكن دعاءها هذا مقتبس من قول الله تعالى: {وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَناً خَالِصاً سَائِغاً لِلشَّارِبِينَ} (?)، وقوله تعالى: {وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ} (?).
وكان مكان حادثة الولادة المذكورة -كما أخبرتني الوالدة رحمها الله، وكما أخبرتني أمي من الرضاعة زوجة أبي صالحة بنت دغش أحسن الله لنا ولها الخاتمة - في جبال السّود شرق وادي العلوبي أسفل العرين، في