وقد أنكر ابن مسعود عَلَى كعب قوله: إن الفلك تدور. وأنكر ذلك مالك وغيره، وأنكر الإمام أحمد عَلَى المنجمين قولهم أن الزوال يختلف في البلدان.

وقد يكون إنكارهم أو إنكار بعضهم لذلك؛ لأن الرسل لم تتكلم في هذا وإن كان أهله يقطعون به، وإن الاشتغال به ربما أدى إِلَى فساد عريض.

وقد اعترض بعض من كان يعرف هذا عَلَى حديث "النزول ثلث الليل الآخر" (?)، وقال: ثلث الليل يختلف باختلاف البلدان فلا يمكن أن يكون النزول في وقت معين.

ومعلوم بالضرورة من دين الإسلام قبح هذا الاعتراض، وأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أو خلفاءه الراشدين لو سمعوا من يعترض به لما ناظروه، بل بادروا إِلَى عقوبته أو إلحاقه بزمرة المخالفين المنافقين المكذبين.

كذلك التوسع في علم الأنساب هو مما لا يحتاج إِلَيْهِ، وقد سبق عن عمر وغيره النهي عنه. مع أن طائفة من الصحابة والتابعين كانوا يعرفونه ويعتنون به.

وكذلك التوسع في علم العربية لغة ونحوًا، وهو مما يشغل عن العِلْم الأهم، والوقوف معه يَحرِمُ علماً نافعًا. وقد كره القاسم بن مخيمرة علم النحو، وقال: أوله شغل وآخره بغي، وأراد به التوسع في معرفة اللغة وغريبها وأنكر عَلَى أبي عبيد توسعه في ذلك وقال: هو يشغل عما هو أهم منه.

ولهذا يقال: إن العربية في الكلام كالملح في الطعام. يعني: أنَّه يؤخذ منها ما بصلح الكلام كما يؤخذ من الملح ما يصلح الطعام، وما راد عَلَى ذلك فإنَّه يفسده.

وكذلك علم الحساب يحتاج منه إِلَى ما يعرف به حساب (ما ينتفع) (*) من قسمة الفرائض والوصايا والأموال التي تقسم بين المستحقين لها، والزائد عَلَى ذلك مما لا ينتفع به إلا في مجرد رياضة الأذهان وصقالها لا حاجة إِلَيْهِ ويشغل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015