قال ابن جرير: وهذا القول خطأ مخالف لإجماع أهل التأويل عَلَى أن قوله: {وَلَقَدْ عَلِمُوا} أنَّه عائد إِلَى اليهود الذين اتبعوا ما تتلوا الشياطين عَلَى ملك سليمان، ثم اختار ابن جرير أن الذين علموا أنَّه لا خلاق لمن اشتراه هم اليهود والذين قيل عنهم: {لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} هم الذين يتعلمون من الملكين، وكثيرًا ما يكون فيهم الجهَّال بأمر الله ووعده ووعيده، وهذا أيضاً ضعيف فإن الضمير فيهما عائد إِلَى واحد، وأيضًا فإن الملكلين يقولان لمن يعلمانه: {إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ}، فقد أعلماه تحريمه وسوء عاقبته.

وقالت طائفة: إِنَّمَا نفى عنهم العِلْم بعدما أثبته لانتفاء ثمرته وفائدته وهو العمل بموجبه ومقتضاه، فلما انتفى عنهم العمل بعلمهم جعلهم جهَّالاً لا يعلمون كما يقال: لا علم إلا ما نفع.

وهذا حكاه ابن جرير وغيره.

وحكى الماوردي قولاً بمعناه، لكنه جعل العمل مضمرًا وتقدوره "لو كانوا يعملون بما يعلمون".

وقيل: أنهم علموا أن من اشتراه فلا خلاق له أي لا نصيب له في الآخرة من الثواب لكنهم لم يعلموا أنَّه يستحق عليه العقاب مع حرمانه الثواب. وهذا حكاه الماوردي وغيره هو ضعيف أيضاً، فإن الضميران عادا إِلَى اليهود، فاليهود لا يخفى عليهم تحريم السحر واستحقاق صاحبه العقوبة وإن عاد إِلَى الذين يتعلمون من الملكين فالملكان يقولان لهم: إِنَّمَا نحن فتنة فلا تكفر، والكفر لا يخفى عَلَى أحد أن صاحبه يستحق العقوبة، وإن عاد إليهما وهو الظاهر فواضح.

وأيضًا فإذا علموا أن من اشتراه ما له في الآخرة من خلاق فقد علموا أنَّه يستحق العقوبة؛ لأنّ الخلاق: النصيب من الخير فإذا علم أنَّه ليس له نصيب في الخير بالكلية فقد علم أن له نصيبًا من الشر؛ لأنّ أهل التكليف في الآخرة لا يخلو واحد منهم عن أن يحصل له إما خيرٌ أو شرٌّ لا يمكن انفكاكه عنهما جميعًا البتة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015