وذكر ابن أبي الدُّنْيَا عن بعض السَّلف أنَّه قال: "ما يمر علي أشد من الحياء من الله عز وجل".

وفي الأثر المعروف الَّذِي رواه أبو نعيم وغيره عن علقمة بن مرثد: أن الأسود بن يزيد لما احتضر بكى فقِيلَ لَهُ: ما هذا الجزع؟ قال: "ما لي لا أجزع ومن أحق بذلك مني والله لو أتيت بالمغفرة من الله عز وجل لهمني الحياء منه مما قد صنعت، إن الرجل ليكون بينه وبين الرجل الذنب الصغير فيعفو عنه فلا يزال مستحيًا منه".

ومن هذا قول الفضيل بن عياض بالموقف: "واسوأتاه منك وإن عفوت" والمقصود هنا أن آلام الذنوب ومشاقها وشداتها التي تزيد عَلَى لذاتها أضعافًا مضاعفة، لا تتخلف عن صاحبها لا مع توبة ولا عفو.

فكيف إذا لم يوجد واحد منهما؟! ويتضح هذا بما نذكره في:

الوجه السابع وهو: أن المقدم عَلَى موافقة المحظور إِنَّمَا أوجب إقدامه عليه ما فيه من اللذة الحاصلة له به فظن أنَّه تحصل له لذَّته العاجلة ورجى أن يتخلص من تبعته بسبب من الأسباب ولو بالعفو المجرد فينال به لذَّة ولا يلحقه به مضرة وهذا من أعظم الجهل، والأمر بعكس باطنه فإن الذنوب يتبعها ولابد من الهموم والآلام وضيق الصدر والنكد وظلمة القلب وقسوته أضعاف أضعاف ما فيها من اللذة، ويفوت بها من حلاوة الطاعات وأنوار الإيمان وسرور القلب ببهجة الحقائق والمعارف ما لا يوازي الذَّرة منه جميع لذات الدُّنْيَا، فيحصل لصاحب المعصية العيشة الضنك وتفوته الحياة الطيبة فينعكس قصده بارتكاب المعصية؛ فإن الله ضمن لأهل الطاعة الحياة الطيبة ولأهل المعصية العيشة الضنك قال تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} (?) وقال: {وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015