قوله "قل تراثه" فسره الإمام أحمد وغيره ميراثه بعد موته، يعنيان ما يخلف من الدُّنْيَا بعده يكون قليلاً نزرًا يسيرًا، هذه سنة الأنبياء -عليهم السلام- كما في حديث أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا، وَإِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ» (?) والنبي - صلى الله عليه وسلم - لم يخلف إلا آلات الجهاد؛ ففي الصحيح عنه أنَّه لم يخلف إلا سلاحه وبغلته وأرضًا جعلها صدقة (?).

ولما احتضر أبو بكر الصديق قال لعائشة -رضي الله عنها-: "يا بنية إنا ولينا أمر المسلمين فلم نأخذ لهم دينارًا ولا درهمًا، ولكنا أكلنا من حريش طعامهم في بطوننا، ولبسنا من خشن ثيابهم عَلَى ظهورنا، وإنه لم يبق عندنا من مال المسلمين قليل ولا كثير إلا هذا العبد الحبشي، وهذا البعير الناضح، وجرد هذه القطيفة، فإذا مت فابعثي بهن إِلَى عمر. فلما جاء الرسول إِلَى عمر بذلك، بكى عمر، وقال: رحم الله أبا بكر، لقد اتعب من بعده.

ولما احتضر عمر بن عبد العزيز قال: لا تتهموا الخازن فإني لا أدع إلا إحدى وعشرين دينارًا، وصَّى منها بوفاء ديون، فلم يبق لورثته سوى أربعة عشر دينارًا، هذا وجميع مملكة الإسلام تحت يديه.

ودخلوا عليه في مرض موته وعليه قميص قد اتسخ جيبه وتحرق، فَقَالَ مسلمة بن عبد الملك لأخته -وهي زوجة عمر: ناوليني قميصًا سوى هذا حتى يلبسه أمير المؤمنين فإن الناس يدخلون {عليه} (?). فَقَالَ عمر:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015