وأما الحمى المعتادة فهي التي أمسكها النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة، وهي التي تكون بالأرض الطيبة، والبلاد الهنيئة الصحيحة هواؤها وماؤها.
وأما الثالث: -وهو تخصيص الأنصار بها- ففي "المسند" (?) أيضاً، و"صحيح ابن حبان" (?) عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: «اسْتَأْذَنَتِ الْحُمَّى عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: مَنْ هَذِهِ؟ قَالَتْ: أُمُّ مِلْدَمٍ، قَالَ: فَأَمَرَ بِهَا إِلَى أَهْلِ قُبَاءَ، فَلَقُوا مِنْهَا مَا يَعْلَمُ اللَّهُ، فَأَتَوْهُ فَشَكَوْا ذَلِكَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: مَا شِئْتُمْ: إِنْ شِئْتُمْ أَنْ أَدْعُوَ اللَّهَ لَكُمْ يَكْشِفَهَا عَنْكُمْ، وَإِنْ شِئْتُمْ أَنْ تَكُونَ لَكُمْ طَهُورًا. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَوَتَفْعَلُ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالُوا: فَدَعْهَا».
وخرج الخلال في كتاب "العلل" من حديث سَلْمَان الفارسي قَالَ: «اسْتَأْذَنَتِ الْحُمَّى عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: مَنْ أَنْتِ؟ قَالَتْ: أَنَا الْحُمَّى أَبْرِي اللَّحْمَ، وأَمُصُّ الدَّمَ. قَالَ: اذْهَبِي إِلَى أَهْلِ قُبَاءَ. فَأَتَتْهُمْ. فَجَاءُوا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدِ اصْفَرَّتْ وُجُوهُهُمْ، فَشَكَوُا الْحُمَّى إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: مَا شِئْتُمْ، إِنْ شِئْتُمْ دَعَوْتُ اللهَ فَكَشَفَهَا عَنْكُمْ، وَإِنْ شِئْتُمْ تَرَكْتُمُوهَا، فَأسْتَنْظَفَتْ بَقِيَّةَ ذُنُوبِكُمْ، قَالُوا: بَلْ دَعْهَا يَا رَسُولَ اللهِ».
وقد كان كثير من السلف الصالح يختار الحمى لنفسه -كما سبق عن أبي بن كعب أنه دعا لنفسه بالحمى.
وروي من وجه آخر من حديث أبي سعيد البخاري قال: "قَالَ رَجُلٌ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَرَأَيْتَ هَذِهِ الْأَمْرَاضَ الَّتِي تُصِيبُنَا، مَا لَنَا بِهَا؟ قَالَ: كَفَّارَاتٌ. قَالَ: أُبَيٌّ: وَإِنْ قَلَّتْ؟ قَالَ: وَإِنْ شَوْكَةً فَمَا فَوْقَهَا. قَالَ: فَدَعَا اللهُ أُبَيٌّ عَلَى نَفْسِهِ أَنْ لَا يُفَارِقَهُ الْوَعْكُ حَتَّى يَمُوتَ! فِي أَنْ لاَ يَشْغَلَهُ عَنْ حَجٍّ، وَلَا عُمْرَةٍ، وَلَا جِهَادٍ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَلَا صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ فِي جَمَاعَةٍ. فَمَا مَسَّهُ إِنْسَانٌ إِلَّا وَجَدَ حَرَّهُ حَتَّى مَاتَ".