فإنَّه تعالى جعل لكل شيء حدًّا، فجعل للمباح حدًّا وللحرام حدًّا، وأمر بالاقتصاد عَلَى حد المباح وأنْ لا يتعدى، ونهى عن قربان حد الحرام.
ومما سمِّي فيه المحرمات حدودًا، قول النبي: "مَثَلُ القَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالمُدَاهِنِ (?) فِيهَا كَمَثَلِ قَوْمٍ اقْتَسَمُوا سَفِينَةٍ ... " (?) الحديث المعروف. والمراد بالقائم عَلَى حدود الله: المنكر للمحرمات والناهي عنها.
وفي حديث ابن عباس، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "أَنَا آخِذٌ بِحُجَزِكُمْ (?) اتَّقُوا النَّارِ، اتَّقُوا الحُدُودَ -قالها ثلاثا". خرَّجه الطبراني والبزار (?). ومُراده بالحدود: محارم الله ومعاصيه -وقد تطلق الحدود باعتبار العقوبات المقدَّرة الرادعة عن الجرائم المغلَّظة. فيقال: حد الزنا، حد السرقة، حد شرب الخمر.
وهو هذا المعروف من اسم الحدود في اصطلاح الفقهاء؛ ومنه قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لأسامة: "أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ" (?) لما شفع في المرأة التي سرقت.
وفي حديث: «أَقِيمُوا الْحُدُودَ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ عَلَى الْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ» (?).
وقال علي: أقيموا الحدود عَلَى ما ملكت أيمانكم (?).
وأمّا قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث أبي بردة: «لاَ تَجْلَدُ فَوْقَ عَشْرِ جَلَدَاتٍ إِلَّا فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ» (?) فقد اختلفوا في المراد بالحد هنا: هل هو الحدود المقدَّرة شرعًا، أم المُراد بالحد ما حدّه الله ونهى عن قربانه؛ فيدخل فيه سائر