وكان أبو سليمان الدَّارانيُّ يعيبُ عَلَى من لبس عباءةً، وفي قلبهِ شهوةٌ من شهواتِ الدُّنْيَا تساوي أكثر من قيمةِ العَباءة.
يشيرُ إِلَى أنَ إظهارَ الزهدِ في الدُّنْيَا باللباس الدني إِنَّمَا يصلحُ لمن فرغَ قلبهُ من التَّعلُّقِ بها، بحيثُ لا يتعلقُ قلبُهُ بها بأكثرَ من قيمةِ ما لبسهُ في الظاهرِ، حتى يستوي ظاهرُهُ وباطنُهُ في الفراغ من الدُّنْيَا.
وما أحسنَ قول بعض العارفينَ -وقد سُئلَ عن الصوفيّ- فَقَالَ: الصوفيّ.
مَنْ لبسَ الصُّوفَ علَى الصَّفَا ... وَسَلَكَ طَرِيقَ الْمُصْطَفَى
وَذَاقَ الْهَوَى بَعْدَ الْجَفَا ... وَكَانَتِ الدُّنْيَا مِنْهُ خَلْفَ الْقَفَا
النوع الثاني: مَن يطلبُ بالعمل والعلم والزهد الرياسة عَلَى الخلقِ والتعاظُمَ عليهم، وأن ينقادَ الخلقُ ويخضعونَ لهُ ويصرفُونَ وُجوههُم إليهِ، وأن يُظهرَ للناسِ زيادةَ علمهِ عَلَى العُلماءِ ليَعلوَ بهِ عليهِم ونحو ذلك.
فهذا موعدُهُ النارُ؛ لأنَّ قَصْدَ التَّكبرِ عَلَى الخلقِ مُحَرَّمٌ في نفسهِ، فَإِذَا استعملَ فيهِ آلة الآخرةِ كان أقبحَ وأَفحشَ من أن يستعملَ فيهِ آلاتِ الدُّنْيَا من المالِ والسلطانِ.
وفي " السنن " عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ طَلَبَ الْعِلْمَ لِيُمَارِيَ بهِ السُّفَهَاءَ أَوْ يُجَارِي بِهِ الْعُلَمَاءَ أَوْ يَصْرِفَ وُجُوهَ الناسِ إِلَيهِ أَدْخَلَهُ الله النَّارَ".
خرجه الترمذيُّ (?) من حديث كعبِ بنِ مالكٍ.
وخرجه ابنُ ماجه من حديث ابن عمرَ (?) وحُذيفةَ (?) وعنده: "فَهُوَ فِي النَّارِ".
وخرج ابن ماجه (?)، وابن حبان في "صحيحه" (?) من حديث جابر، عن