واعلمْ أَنَّ الحرصَ عَلَى الشَّرفِ يستلزمُ (شرًّا) (*) عظيمًا قبلَ وقوعه (في السَّعي) (**) في أسبابِه، وبعد وقوعِه بالخطر العظيم الَّذِي يقع فيه صاحبُ الولاية من الظلمِ والتكبرِ وغير ذلك من المفَاسِدِ.
وقد صنَّفَ أبو بكر الآجري -وكان من العُلَمَاء الربَّانيين في أَوائلِ المائةِ الرابعة- مصنفًا في "أخلاق العُلَمَاء وآدابهِم" وهو من أجلِّ ما صُنِّف في ذلك، ومن تأمَّله علمَ منه طريقة السَّلفِ من العُلَمَاء، والطرائقَ التي حَدَثَتْ بعدهم المخالفةَ لطريقتهم، فوصفَ فيه عالم السوء بأوصافٍ طويلة.
منها: أنّه قال: قد فتنه حبُّ الثناءِ والشَّرفِ والمنزلةِ عند أهل الدُّنْيَا، يتجملُ بالعلم كما يتجمل بالحلةِ الحسناء للدنيا، ولا يجمَّل علمه بالعمل به.
وذكر كلامًا طويلاً إِلَى أن قال: فهذه الأخلاقُ وما يشبهُها تغلبُ عَلَى قلب من لم (ينتفعْ) (?) بالعلم، فبينا هو مُقاربٌ لهذه الأخلاقِ إذ رَغبتْ نفسُه في حبِّ الشَّرفِ والمنزلةِ، فأحبَّ مجالسةَ الملوكِ وأبناءِ الدُّنْيَا، (فأحب) (?) أن يشاركهم فيما هُم فيهِ (من منظرٍ) (?) بَهيٍّ، ومَركبٍ هَنِيٍّ، وخادم سَرِيٍّ، ولباسٍ ليّنٍ، وفِراشٍ ناعمٍ، وطعام شَهِيٍّ، وأَحبَّ أَن (يُعتنى به) (?)، وأن (يسمع) (?) قَولُه، ويُطَاعَ أَمرُه، فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ إِلا مِن جهةِ القَضاءِ فَطلبَهُ، فَلم يُمكنْهُ إِلا بِبذلِ دِينِهِ، فَتَذَلَّلَ لِلمُلُوكِ وأتباعِهِم، (فَخدمَهُم) (?) بِنَفْسِهِ، وأَكرَمَهُم بِمَالِهِ، وسَكتَ عَن قَبيحِ مَا ظَهَرَ (من منازل أبوابهم، وفي منازلهم وفعلهم) (?)، ثم زيَّنَ لَهم كثيرًا من قَبيحٍ (فِعلهم بتأوُّلِهِ) (?) الخطأ ليحسن