"إن ذاك قلبها".

يعني: أن الكبر في قلبها وإن كان لباسها لباس المساكين.

وقال الحسن: إن قومًا جعلوا التواضع في لباسهم والكبر في صدورهم، إن أحدهم أشد كبرًا بمدرعته من صاحب السرير بسريره، وصاحب المنبر بمنبره. قال أحمد بن أبي الحواري: قال لي سليمان بن أبي سليمان -وكان يُعدلُ بأبيه: أي شيء أرداو بثياب الصوف؟.

قلت: التواضع. قال: وما يتكبر أحدهم إلا إذا لبس الصوف".

وقال أبو سليمان: يكون ظاهرك قطنيًّا وباطنك صوفيًّا.

قال أبو الحسن بن بشار: صوَّف قلبك، والبس القوهي عَلَى القوهي.

يعني: رفيع الثياب.

فمتى أظهر الإنسان لباس المساكين لدعوى الصلاح ليشتهر بذلك عند الناس كان ذلك كبرًا ورياء، ومن هنا ترك كثير من السَّلف المخلصين اللباس المختص بالفقراء والصالحين، وقالوا: إنه شهرة.

ولما قدم سيّار أبو الحكم البصرة لزيارة مالك بن دينار لبس ثيابًا حسنة ثم دخل المسجد فصلى صلاة حسنة، فرآه مالك -ولم يعرفه- فَقَالَ له: يا شيخ! إني أرغب بك عن هذه الثياب مع هذه الصلاة.

فَقَالَ له: يا مالك! ثيابي هذه تضعني عندك أم ترفعُني؟!

قال: بل تضعك. فَقَالَ: نعم الثوب ثوب يضع صاحبه عند الناس، ولكن انظر يا مالك لعل ثوبيك هذين -يعني: الصوف- أنزلاك عند الناس ما لم يُنزلاك من الله.

فبكى مالك وقام إِلَيْهِ واعتنقه، وقال له: أنشدك الله أنت سيار أبو الحكم؟ قال: نعم.

فلهذا كَرِه من كَرِه من السَّلف كابن سيرين وغيره لباس الصوف حيث صار شعار الزاهدين، فيكون لباسه إشهارًا للنفس، وإظهارًا للزهد، وأما النبي صلّى الله عليه وسلم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015