تكلف؛ فإن كثيرًا من المفسرين فسروا الحسنة بكلمة. التوحيد والجزاء عليها بالجنة، ثم استشكلوا تفضيل الجنة عَلَى التوحيد، وبما ذكرناه يزول الإشكال.

ويتبين أن التوحيد الَّذِي في الجنة أكمل من التوحيد الَّذِي في الدُّنْيَا وهو جزاء له، وكذلك المعرفة والمحبة والشوق أيضاً، فقد جاء في بعض أحاديث يوم المزيد (?): "أنهم ليسوا إِلَى شيء أشوق منهم إِلَى يوم الجمعة" وشيبة بهذا الغلط الَّذِي أشرنا إِلَيْهِ قول من قال: إن العارفين لا يشتاقونا إِلَى الله -عز وجل- في الدُّنْيَا؛ لأنهم يشهدونه بقلوبهم حاضرًا، وتباشر قلوبهم أنواره ويتجلى لها فيستأنسون به ويطمئنون إِلَيْهِ.

وهذا وإن كان نقل عن بعض السَّلف المتقدمين فهو أيضاً غلط، ولعله صدر من قائله في حال استغراقه في مشاهدة ما شاهده، فظن أنَّه ليس وراء ذلك مطلب، وهذا كما قال بعضهم: "إنه تمر بي أوقات أقول: إن كان أهل الجنة في مثل ما أنا فيه إنهم لفي عيش طيب".

ومعلوم أن أهل الجنة في أضعاف أضعاف ما هو فيه من النعيم واللذة، ولكنه لما استعظم ما حصل له من النعيم ظن أنَّه ليس وراءه شيء، وعند التحقيق يتبين أن ما حصل في الدُّنْيَا للقلوب من تجلي أنوار الإيمان يدل عَلَى عظمة ما يحصل في الجنة، وليس بينهما نسبة فيتزايد بذلك الشوق إِلَى ما وراءه، ولهذا "كان النبي صلّى الله عليه وسلم يسأل ربه الشوق إِلَى لقائه" (?) مع أنَّه أكمل الخلق مشاهدة ومعرفة، وكان يقول في الوصال: "إني لست كهيئتكم، إني أظل عند ربي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015