فقال الوزير: "وَاللهِ إِنَّكَ لَتُصَغِّرُ مَا عَظَّمَ اللهُ وَتُعَظِّمُ مَا صَغَّرَ اللهُ" (5).
وكثير ممن يدعى الباطن ويتكلم فيه ويقتصر عليه يذم العلم الظاهر، الذي هو الشرائع والأحكام، والحلال والحرام ويطعن في أهله ويقولون: هم محجوبون وأصحاب قشور، وهذا يوجب القدح في الشريعة، والأعمال الصالحة التي جاءت الرسل بالحث عليها والاعتناء بها.
وربما انحل بعضهم عن التكاليف، وادعى أنها للعامة، وأما من وصل فلا حاجة له إليها، وأنها حجاب له، وهؤلاء كما قال الجنيد وغيره من العارفين وصلوا ولكن إلى سَقَرَ.
وهذا من أعظم خداع الشيطان وغروره لهؤلاء، لم يزل يتلاعب بهم حتى أخرجهم عن الإسلام.
ومنهم من يظن أن هذا العلم الباطن لا يُتَلَقَى من مشكاة النبوة، ولا من الكتاب والسنة، وإنما يتلقى من الخواطر والإلهامات والكشوفات، فأساءوا الظن بالشريعة الكاملة، حيث ظنوا أنها لم تأت بهذا العلم النافع الذي يوجب صلاح القلوب وقربها من علام الغيوب، وأوجب لهم الإعراض عما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - في هذا الباب بالكلية، والتكلم فيه بمجرد الآراء والخواطر، فضلوا وأضلوا.
فظهر بهذا أن أكمل العلماء وأفضلهم: العلماء بالله وبأمره الذين جمعوا بين العلمين وتلقوهما معًا من الوحيين -أعني: الكتاب والسنة- وعرضوا كلام الناس في العلمين معًا على ما جاء في الكتاب والسنة، فما وافق قبلوه، وما خالف ردوه.
وهؤلاء خلاصة الخلق، وهم أفضل الناس بعد الرسل، وهم خلفاء الرسل حقًّا، وهؤلاء كثير في الصحابة، كالخلفاء الأربعة، ومعاذ، وأبي الدرداء، وسلمان، وابن مسعود وابن عمر، وابن عباس وغيرهم.