قال المؤلف حفظه الله تعالى: [ثامناً: العصمة ثابتة للرسول صلى الله عليه وسلم، والأمة بمجموعها معصومة من الاجتماع على ضلالة، وأما آحادها فلا عصمة لأحد منهم، وما اختلف فيه الأئمة وغيرهم فمرجعه إلى الكتاب والسنة، فما قام عليه الدليل قبل مع الاعتذار للمخطئ من مجتهدي الأمة].
هذه قاعدة تتعلق بحماية الدين، وسبق أن قلنا: إن الدين قد أكمله الله عز وجل، وأنه ليس لأحد أن يأتي بشيء زاعماً أنه من الدين، والعصمة هي اعتقاد أن الإنسان يقول الحق جزماً، ولا يمكن أن يرد في كلامه أي احتمال للخطأ العصمة بأن يكون القول والفعل ديناً، وهذا لا يمكن أن يكون إلا الرسول صلى الله عليه وسلم المعصوم من أن يقول على الله أو أن يتطرق إلى قوله نقص أو زيادة تخرجه عما أراده الله، أو أن يقع في محذور شرعي، كأن يقع في كبيرة أو أمر يتنافى مع كرامة النبي صلى الله عليه وسلم أو الأخلاق الفاضلة.
إذاً: العصمة للنبي صلى الله عليه وسلم في الدين وفي الأخلاق وفي جميع الأصول التي تقتضي كمال الدين، فإن النبي صلى الله عليه وسلم هو وحده المعصوم، أما بقية الناس فلا عصمة لهم حتى العلماء وكبار الصحابة، فقد يرد إليهم الخطأ؛ لأنهم ليسوا مصدر دين ومصدر تشريع، إنما النبي صلى الله عليه وسلم هو المعصوم؛ لأنه المشرع، فلا يتطرق إلى أقواله وأفعاله الباطل إطلاقاً.
فإذاً: العصمة للرسول صلى الله عليه وسلم فقط، وأيضاً الأمة في مجموعها معصومة، فلا تخرج الأمة كلها عن الخطأ، بل يبقى منها ولو عدد قليل على الصواب، فهي لا تجتمع على خطأ، لكن لا يمكن أن تتفق كلها على الصواب؛ لأنهم بشر يخطئون ويسهون وينسون ويبتدع بعضهم وينحرف بعضهم وتقع فيهم السبل، لكن لا بد أن تبقى طائفة ولو قليلة على الحق، وهذا معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تجتمع أمتي على ضلالة)، فلو أن البدع والأهواء كثرت فلا يعني ذلك أن الأمة تجتمع على البدع والأهواء، ولو طائفة قليلة حتى في زمن الغربة، فالنبي صلى الله عليه وسلم سمى أهل السنة أثناء الغربة بالغرباء، لكنه مع ذلك وصفهم بأنهم: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين، لا يضرهم من خذلهم ولا من عاداهم)، فهؤلاء الظاهرون هم الذين تحققت بهم عصمة الأمة، ألا تجمع على ضلالة.
فإذاً: الأمة معصومة في مجموعها أن تقع في ضلالة، لا أما آحادها جماعاتها فرقها مذاهبها فقد يقع الخطأ من أحدهم أو من بعض فئاتهم، فلا عصمة لأحد منهم.