قال المؤلف حفظه الله تعالى: [سابعاً: يجب الالتزام بالألفاظ الشرعية في العقيدة وتجنب الألفاظ البدعية التي أحدثها الناس، والألفاظ المجملة المحتملة للخطأ والصواب يستفسر عن معناها، فما كان حقاً أثبت بلفظه الشرعي، وما كان باطلاً رد].
الشرح: هذه من القواعد الصغيرة لكنها مهمة، وأمثلتها قليلة لكنها مهمة أيضاً، فالمسلم دائماً عندما يعبر عن الأصول والثوابت والأركان وقضايا الدين الكبرى أو عن السنن القطعية ونحوها يجب عليه أن يعبر بالمصطلحات وبالألفاظ الشرعية، فيسمي الصلاة صلاة ولا يسميها بغير اسمها، ويسمي الزكاة زكاة، وبعض الناس تأخذه مجاراة الثقافة العامة عند الناس فيذهب وكأنه يريد أن يبسط للناس المفاهيم، فيسمي الزكاة ضريبة، أو يسمي الحج القصد أو نحو ذلك، فهذا خروج بالأصول الشرعية عن لوازمها، لأن من لوازم المعاني الشرعية أن يلتزم ألفاظها، وكذا بقية الأمور التي تنبني عليها العقيدة أو ثوابت الأحكام، مثل: الحلال القطعي والحرام القطعي، وأصول الأخلاق، ونحوها، فنسمي الصدق باسمه، ونسمي الربا باسمه، وكذلك ألفاظ العقيدة خاصة التي تتعلق بالله عز وجل وهو أعظم ما يجب أن يعناه المسلم، فنحن ندرس ما يتعلق بالله في ذاته وأسمائه وصفاته لنعظم الله، ولنغرس في قلوبنا محبة الله وخوفه ورجاءه، وهذا لا يؤدي دوره على المعنى الكامل إلا بالتزام الألفاظ الشرعية في أسماء الله وصفاته؛ ولذلك قال السلف: أسماء الله توقيفية بألفاظها، بمعنى: أن نقف على ألفاظها الشرعية، فلا نأتِ بألفاظ أدبية أو فلسفية أو معانٍ عامة فضفاضة متميعة فنعبر بها عن حق الله عز وجل، كما يعبر بعض الفلاسفة عن الله بأنه مجرد قوة؟! والله سبحانه وصف نفسه بالقوي أو بالقدير العليم الغني.
التي تغني عن مثل لفظة (القوة)، والألفاظ الشرعية تؤدي المعنى على أكمل وجه في القلب والعقل والجوارح والوجدان والمشاعر، فإن هذه الأمور أو ما يختلج في الإنسان من المشاعر لا تنمو نمواً دينياً شرعياً على وجه شرعي صحيح إلا باستعمال المصطلحات الشرعية التي هي كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم وبلسان عربي مبين، وكذلك المعاني الأخرى فيما يتعلق بالله عز وجل مثل بعض أسمائه وصفاته، فربما يعبر عن الله عز وجل بأنه مستوٍ على عرشه دون خروج عن مقتضى النص؛ لأن كلمة الاستواء لفظ شرعي، وهو أفضل وأكمل تعبير عن حقيقة الاستواء كما يليق بجلال الله عز وجل، فلا نذهب نصرفها إلى معانٍ محتملة وتأويلات موهمة؛ لأن هذا يفرغ الكلمة عن محتواها الحقيقي الذي ينمي في القلب الإيمان بالله عز وجل على الوجه الشرعي الصحيح.
كذلك العلوم ونحوها مما يتعلق بالله عز وجل، حتى في مجملات الدين ينبغي أن نعبر عنها بالمعاني الشرعية التي تغرس في المسلم حب التدين على وجه صحيح، والتي تغرس في المسلم الولاء للشرع على وجه صحيح، فمثلاً: لا يجوز أن نسمي الدين تقاليد أو موروثات، فإن التقاليد لها معنى يشمل ما يخترعه الناس وما يتبعونه كما يشمل العوائد الباطلة وأموراً أخرى كثيرة فيها حق وباطل.
إذاً: يجب على المسلم أن يعود نفسه دائماً ويربي أبناءه، ويجب علينا جميعاً في تربية الأجيال أن نربيهم على هذه المسلَّمات، وأن تتعود ألسنتهم على استعمال الألفاظ الشرعية بمعانيها، فإن هذا هو الذي ينمي حقيقة الإيمان في القلوب، وينمي حقيقة التقوى في القلوب، وينمي في الإنسان خشية الله وخوفه ورجاءه، وينمي في الإنسان رقابة الله وتقواه؛ ولذلك نجد أن من أعظم أسباب ضعف المعاني القلبية في قلوب المسلمين أنهم بدءوا يخرجون عن استعمال المصطلحات الشرعية إلى مصطلحات أخرى فضفاضة لا تؤدي إلى المعاني الشرعية، بل غالباً تحرف المسلم عن التصور الحقيقي والمعنى الشرعي الذي يجب أن يثبت في قلبه ويغرس في قلبه الإيمان وفي عقله ووجدانه ومشاعره وعلاقاته وتعاملاته مع الخلق.
وقوله: (والألفاظ المجملة المحتملة للخطأ والصواب يستفسر عن معناها، فما كان حقاً أثبت بلفظه الشرعي، وما كان باطلاً رد) فمثلاً: تعبير بعض الناس عن علو الله عز وجل بالجهة، فبعض الناس ينفي العلو والاستواء لأنه يقتضي الجهة، ونحن لا نرد كلمة جهة مطلقاً ولا نقبلها مطلقاً، إنما نستفصل على النحو التالي فنقول: ماذا تريد بالجهة التي تنفيها أو تثبتها؟ إن أردت بالجهة علو الله عز وجل فلا شك أن الله هو العلي، لكن لا نسمي هذا جهة، لأننا فرغنا المعنى الحقيقي وأرجعناه إلى اللفظ الشرعي وهو العلو واسم الله العلي، فالله عز وجل من أسمائه العلي، وله العلو المطلق، ومن صفاته: العلو والاستواء، فنقول: إذاً المعنى الصحيح من الجهة وهو العلو نأخذ به، لكن كلمة جهة فيها نظر لأنها ملتبسة فلسنا بحاجة إلى استعمالها.
أما إن أردت بالجهة المكان الذي يحوي، فالله عز وجل منزه عن أن يحويه مكان، بل هو سبحانه خالق الأزمنة والأمكنة، وخالق العالم كله، فلا ينبغي أن يرد هذا في ذهن أحد، بل يجب أن نبين ونعظ وننصح من يقول مثل هذه الكلمات؛ لأنها سوء أدب مع الله، فمثل هذه الأمور لا تقال في حق