ثم عرَّج أهل السنة والجماعة بعد هذه الأصول على أن من الجماعة فئة هي الفئة النموذجية والقدوة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وبعده، ورأس الجماعة هم الصحابة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وبعده، وأولها والنموذج الأول، هم القدوة الأوائل، الذين رسموا سبيل المؤمنين، وهم الصحابة الكرام، وكلهم عدول في الدين، فالعدالة لا تعني أنه لا يرتكب أحد منهم أخطاء أو فسقاً أو نحو ذلك، إنما العدالة في نقل الدين؛ لأن الله عز وجل تكفل بحفظ الدين، وكان مما تكفل الله به أن عهد النبي صلى الله عليه وسلم بنقل الدين على الصحابة، فنقلوه، حتى من كان عنده شيء من الخطأ أو المعصية، والصحابة ليسوا معصومين، لكن مع ذلك فهم عدول في نقل الدين.
وقوله: (والشهادة لهم بالإيمان والفضل أصل قطعي معلوم من الدين بالضرورة) لقواطع النصوص والإجماع، ولأن هذا من ضرورات الدين؛ ولأن الطاعن في الصحابة يطعن في الدين، لأنه من الذي نقل لنا الدين بعد النبي صلى الله عليه وسلم؟ فالطعن فيهم لا بد أن يرجع إلى الطعن في قلب الأمة.
وفي ضمير الأمة، وأشد الطعون على الأمة هو فيما يتعلق بمطاعن أهل الأهواء في خيار الأمة، ولا يوجد مسلم عنده عقل يسمح لأحد أن يفتري ويطعن على الخيار.
ثم بعد ذلك محبتهم دين وإيمان؛ لأن الله أمر به، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى به، فهو من الإيمان، ونتقرب إلى الله بذلك، وبالعكس بغضهم كفر ونفاق بحسب درجة البغض، مع وجوب الكف عما شجر بينهم؛ لأنهم حدثت بينهم أحداث وخلافات، فيجب الكف عما شجر بينهم؛ لأن أغلب ما روي فيما حدث بينهم من أحداث وخلافات لا يصح، بل الصحيح المسند نزر يسير جداً، فمن هنا لا يجوز أن نعول على روايات التاريخ فيما شجر بينهم، ونترك الخوض فيما يقدح في قدرهم.
ومن ناحية التفضيل هناك أشياء قطعية في تفضيلها، وهناك أشياء اجتهادية، أما تفضيل الخلفاء الأربعة بترتيبهم والعشرة المبشرين بالجنة وأهل بيعة الرضوان وأمهات المؤمنين وآل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذا أمر مجمع عليه.
ثم يأتي عموم المهاجرين وعموم الأنصار والسابقون الأولون قبل الفتح وبعده إلى آخره، وكلهم مع ذلك صحابة، وكلهم رضي الله عنهم، والخلفاء الراشدون الأربعة ترتيبهم بحسب خلافتهم: أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي رضي الله عنهم أجمعين بموجب النصوص أيضاً، ولو استقرأنا نصوص النبي صلى الله عليه وسلم في ذكر الخلافة وفي ذكر الفضل؛ لوجدنا أنه بدأهم بهذا الترتيب، إلا في نزر يسير من الروايات التي قدمت علياً على عثمان، وربما يكون هذا وهماً من الرواة، أو أن النبي صلى الله عليه وسلم حكى هذا في القليل، لكن الحكم على الأغلب، ولا يتسع المجال لسرد النصوص القطعية في ترتيب الصحابة على هذا النحو.