الجماعة إذا ورد ذكرها في القرآن والسنة وفي منهج السلف فلها عدة إطلاقات، والذي يهمنا هنا هو الإطلاق العام والكبير، الجماعة التي هي من مسلمات الدين ومن ثوابت الدين ومن أصوله ومن قواطعه.
فجماعة المسلمين المقصود بها هي التي أوصى بها النبي صلى الله عليه وسلم، وذكر خصائصها، وتتميز بسمات رسمها الكتاب والسنة ونهج السلف الصالح.
فجماعة المسلمين هي المستمسكة بالحق والمستمسكة بالسنة، وهي من ناحية تاريخية مرت بصور: الصورة الأولى: في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وعهد الخلفاء الراشدين قبل ظهور الافتراق حيث كان المسلمون كلهم على الجماعة، وكانت تتوافر فيهم صفات الجماعة المسلمة من جميع الخصائص والسمات، وإن وجد عند بعض الأفراد شذوذ، فإن الشذوذ في تصرفات الأفراد أو الفئات القليلة لا تخرق قاعدة أن الجماعة موجودة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنهم كانوا على الإسلام والسنة ولم يظهر افتراق.
وفي آخر عهد الخلفاء الراشدين ظهر الافتراق، ثم في القرن الأول تنامى الافتراق حتى آخر القرن الأول، فكثرت الفرق وكثر أتباعها، فمن هنا رجع السلف إلى تمييز الجماعة بالوصف التي وصفها به النبي صلى الله عليه وسلم، وهي التي تكون على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
فلما نظروا إلى ما عليه المسلمون من الفرقة والاختلاف؛ وجدوا أهل السنة والجماعة هم الذين بقوا على هذا المنهج، وسموا أهل السنة والجماعة بناء على وصية النبي صلى الله عليه وسلم بذلك.
وقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بالجماعة في نصوص كثيرة تصل إلى حد التواتر المعنوي: (عليكم بالجماعة) (إياكم والفرقة) (يد الله مع الجماعة)، إلى غيرها من النصوص الكثيرة التي توصي بالجماعة وتجعلها الموئل للمسلم عندما يكثر الافتراق وتكثر الأهواء.
فالجماعة المعنية من حيث تطبيقاتها: هم النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته، والتابعون لهم بإحسان الذين أحسنوا التبعية من غير تقليد، إنما اتباع باهتداء واقتداء.
وهم المستمسكون بآثار النبي صلى الله عليه وسلم وآثار السلف الصالح إلى يوم القيامة، ولذلك سموا بالفرقة الناجية، وهذه التسمية لم تكن من صنع الناس، وإنما هي مأخوذة من وصف النبي صلى الله عليه وسلم.
فكل من التزم بمنهج السنة ومنهج النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته والتابعين؛ فهو من الجماعة في العقيدة والمواقف والمصالح العظمى، فمن التزم هذا النهج فهو من الجماعة، وإن أخطأ في بعض الجزئيات.
فمن وقع منه خطأ من علماء المسلمين أو من عامتهم فإن كان الخطأ يتعلق بأمر جزئي اجتهادي؛ فلا يضره ذلك ولا يخرجه من الإيمان.
وكذلك إذا كان الخطأ عن تأول أو عن جهل، فإن الإنسان لا يخرج من الجماعة حتى تقام عليه الحجة، وعلى هذا فإن المسلم -عالماً كان أو غير عالم- لا يخرج من مفهوم هذه الجماعة الشرعية إلى قيام الساعة إذا التزم نهج المسلمين في العقيدة والمواقف والمصالح، ولا يخرج بذلك من الجماعة إلا بأمرين أو بأحدهما: الأمر الأول: إذا خالف في أصل من الأصول القطعية أو ثابت من ثوابت الدين العلمية أو العملية؛ فإنه يخرج من الجماعة وإن لم يخرج من الإسلام، بولا يلزم أن يكون خرج من الملة، لكن خرج من السنة والجماعة.
الأمر الثاني: إذا تكاثرت البدع عند شخص بأن تكون هي سمته وهديه بحيث يكون في شكله الظاهر ومعاملاته وعباداته وشعائر الدين على غير نهج أهل السنة والجماعة، وليس في أمر أو أمرين أو ثلاثة، لكن في سائر سمته.
وفي سائر هديه على منهج أهل البدع؛ فإنه بذلك يخرج من مفهوم الجماعة.