قال المؤلف حفظه الله تعالى: [رابعاً: الإسلام والإيمان اسمان شرعيان بينهما عموم وخصوص من وجه، فكل مؤمن مسلم، وليس كل مسلم مؤمن، ويسمى أهل القبلة مسلمين].
الشرح: المقصود بهذا أن الإسلام والإيمان من الألفاظ الشرعية التي تطلق على الدين، وتطلق على أفراد المسلمين، يقال: مسلم ومؤمن، لكن هذه الكلمات تشترك من وجه وتختلف من وجه، وهذا في عموم المصطلحات الشرعية، مثل الإسلام والإيمان، عبارات تتناوب، بأن تشترك في معانٍ وتختلف في معانٍ، فمثلاً: الإسلام في الأصل يطلق على أعمال الدين الظاهرة، وعلى ما يبدو من المسلم من تسليمه للدين، حينما يعترف بالإسلام، ويقيم شعائر الإسلام، فهذا يوصف بأنه مسلم، وحكمه أنه على الإسلام.
والإيمان المقصود به: القطع واليقين في القضايا العقدية العلمية التي هي في القلب، ولذلك عد النبي صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل الإيمان بأركانه الستة، والأركان الستة كلها عقائد وليس فيها أعمال، بل كلها تصديق ويقين، لكن لا بد أن يثمر عنها العمل، ثم لما ذكر الإسلام في الحديث ذكره بأركان الإسلام الظاهرة، فهل يعني هذا -كما يظهر لبعض الناس الذين لا يأخذون بعموم الأدلة- أن الإيمان هو الأمور الاعتقادية فحسب ولا تدخل الأعمال؟
صلى الله عليه وسلم لا، لكن إذا اجتمع الوصفان، الإسلام والإيمان في عبارة واحدة وفي مقطع واحد وحديث واحد، فإن الإسلام غالباً يطلق على الأعمال الظاهرة، والإيمان يطلق على الأعمال العلمية اليقينية الاعتقادية الباطنة، وإذا انفرد كل واحد منهما شمل المعنى الآخر، فإذا قلنا: الإيمان من غير أن نذكر الإسلام فلابد أن يشمل الإسلام، وإذا قلنا: المؤمن فالأصل أن يكون مسلماً، وإذا قلنا: الإسلام فلابد أن يشمل الإيمان، والمسلم الأصل أن يكون مؤمناً، ولكنه غير لازم.
فالإسلام والإيمان وصفان شرعيان بينهما عموم؛ لأنهما يشملان الدين، وبينهما خصوص إذا اجتمعا في سياق واحد، فكل واحد منهما يختص بمعنى، ويقترن مع معنى اللفظ الآخر بمعانٍ، والدليل على هذا: هل تصح أركان الإيمان من المسلم بلا أركان الإسلام؟ وهل تصح أركان الإسلام من المسلم بلا أركان الإيمان؟ فهما يلتقيان من وجوه ويختلفان من بعض الوجوه، فإذا انفردت كل لفظة لوحدها شملت اللفظة الأخرى، وإذا اجتمعت مع أختها فكل واحدة لها معنى يختص بها.
أما مسمى الأشخاص: المسلم والمؤمن، فهذه تسمى الأسماء والأحكام، وهي تابعة للإيمان، فما نطلقه على الناس: مؤمن، مسلم، كافر، فاسق، فاجر، ظالم، منافق، هذه تسمى الأسماء والأحكام، وهي داخلة في مسميات الإسلام والإيمان، وكل مصطلح له معنى، والذي يهمنا هنا هو ما بين المسلم والمؤمن من وجوه الافتراق والاختلاف.
فمثلاً: كل مؤمن لابد أن يكون مسلماً؛ لأنه لا يتصور أن أحداً يدعي الإيمان ثم لا يعمل بمقتضى الإسلام، بل لا يصح شرعاً أن نصف أحداً بأنه مؤمن ما لم يلتزم شرائع الإسلام، وليس كل مسلم مؤمن؛ لأن الإسلام هو الأمر الظاهر الذي نراه، والإيمان هو أمر قلبي، فقد يكون الإنسان يدعي الإسلام وفيما بينه وبين ربه لا يؤمن بحقائق الدين، كالمنافق الخالص.
والمنافق الخالص يظهر الإسلام خوفاً على نفسه، لكن يكون في قلبه غير معترف بالله عز وجل، ولا بأركان الإيمان أو ببعضها، فهذا نسميه مسلماً، لكن لا نستطيع أن نجزم له بالإيمان.
فمن توفر عنده وصف الإيمان فلابد أن يكون مسلماً، ولكن من توفر عنده وصف الإسلام فقد لا يكون مؤمناً عند الله عز وجل، وهذا فيما يتعلق بحقيقة الأمر وليس لنا إلا الظاهر.
وأهل القبلة الذين يدعون الإسلام كلهم مسلمون، حتى من ارتكب معاص وفجوراً وفواحش وبدعاً، ما دامت أعماله لا تخرجه من الملة، فلا يزال له مسمى الإسلام، فهو من أهل القبلة، والنبي صلى الله عليه وسلم ذكر أن المسلم هو (من صلى إلى قبلتنا، وأكل ذبيحتن) فهذا له حقوق المسلم، وإن احتاج إلى شيء من التأديب، أو التعزير، أو الهجر، أو الردع، فهذه أمور أخرى هي من مقتضيات التناصح بين المسلمين، وإقامة حدود الله وشرعه، ولا تعني إخراج الأفراد من الملة، أو من مسمى الإسلام.
فمن شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فهو مسلم، لكن لا نستطيع أن نجزم أنه مؤمن؛ لأن أمر الإيمان بينه وبين ربه، لكن إن تحققت له حقيقة الإيمان عند الله فلابد أن يكون مسلماً، ويسمى أهل القبلة جميعهم مسلمين.
وليس كل مسلم في الظاهر يكون مؤمناً في الباطن؛ لأن الباطن لا يعلمه إلا الله عز وجل، وقد يدعي الإسلام وهو منافق.