قال المؤلف حفظه الله تعالى: [خامساً: الحكم بغير ما أنزل الله كفر أكبر، وقد يكون كفراً دون كفر.
فالأول: التزام شرع غير شرع الله، أو تجويز الحكم به.
والثاني: العدول عن شرع الله في واقعة معينة لهوى مع الالتزام بشرع الله].
هذه من القضايا التي تحتاج إلى مزيد من التقعيد؛ لأن الكثير من صورها من النوازل والمستجدات، ففي عهد السلف في القرون الثلاثة الفاضلة وإلى قبل قرنين والمسلمون لا يعرفون النظم الشاملة التي يحكم فيها بغير الإسلام، ما عدا ما حدث من التتار وهو أمر جزئي في ظروف لم يستقر فيها نظام غير نظام الإسلام، إنما جاء في وقت هيمنة التتار.
وما عدا ذلك فلا يعرف المسلمون التبديل الشامل للنظم التي توضع بدلاً عن شرع الله، بل هذا لم يعرف إلا في العصر الحديث؛ ولذلك فهذه الأمور تحتاج إلى مزيد من التقعيد، وتكون في الصور الآتية: أولاً: الحكم بغير ما أنزل الله الأصل فيه أنه كفر، لكن مع ذلك قد يكون كفراً أكبر مخرجاً من الملة، وقد يكون كفراً أصغر غير مخرج من الملة، ويدخل فيه الفسق والظلم كما ورد في سياق الآيات.
ثانياً: أن الحكم على المعين يختلف عن الحكم العام، فالحاكم إذا حكم بغير ما أنزل الله فلا بد أن ننظر في الحكم عليه باعتبارات كثيرة: أولها: أن الذين يحكمون هم العلماء الراسخون.
وثانيها: أنه لا بد من التثبت من ذلك.
وثالثها: لا بد من تطبيق شروط التكفير وانتفاء الموانع، وإن كان الحال كفراً، وهذا ينطبق على كثير مما يحدث من صور في العالم الإسلامي؛ فلذلك لا يجوز الاستعجال في تكفير دولة أو مؤسسة أو نظام أو حزب أو جماعة أو هيئة أو شخص ما لم تطبق هذه الشروط.
كما يجب أن نفرق بين الحكم على المعينين والحكم العام الشرعي، فالحكم الشرعي العام واضح، لكن تطبيقاته هي التي وقع فيها كثير من الخلل والخطأ والزلل والافتيات على العلماء، والتسرع، فترتب على هذا أحكام حادة في التعامل مع الآخرين.
ثالثاً: الكفر الأكبر هو التزام شرع غير شرع الله، بمعنى أن الإنسان أو المسلم أو حتى غير المسلم يأخذ بشرع قصداً، أو بنظام قصداً، بأن يبعد شرع الله ويبدله، أو يجوز الحكم بغير شرع الله؛ فهذا كفر.
رابعاً: أن يعدل عن الشرع بسبب هوى أو جهل أو إفراط، أو بسبب التباس، وكثير ما يقع الالتباس على كثير من الناس خاصة في هذا العصر، فالعدول عن شرع الله عز وجل بهذه الأسباب، أو في واقعة معينة جزئية كأن يرد الإنسان حكماً قضائياًَ، أو مسألة حكم بها عالم وردها لهوى، فهذه الجزئيات وإن كانت قد تصل إلى أن تسمى حكماً بغير ما أنزل الله، إلا أنه لا يلزم منها تكفير صاحبها؛ لأنه قد يكون ذلك من الظلم أو الفسق أو الفجور أو الضلال.