وقوله: (ومن عبده بالرجاء وحده فهو مرجئ) بمعنى: من قال: الله عز وجل غفور رحيم، وسيغفر لنا جميع الذنوب، يترك الفرائض ويعمل المحرمات، ويقول: الله غفور رحيم، هذا مرجئ، المعنى أنه مال إلى مذهب غلاة المرجئة؛ لأن المرجئة صنفان: الصنف الأول: الغلاة الجهمية الذين لا يبالون بالشرائع، ولا يبالون بالدين، بل يقولون: يكفي معرفة الله، فإذا عرفت الله فقد فزت الفوز الكامل، وكان إيمانك كاملاً، ومن هنا عولوا على هذا المبدأ وقالوا: لا قيمة للأعمال، ولهم فلسفات كثيرة في الأعمال وقد يقول قائل: هل يعقل للمسلم أن ينتسب للإسلام ويقول هذا؟ نقول: نعم، فقد يزل في هذا ويتزندق، لأن لهم فلسفة في هذا أغواهم الشيطان بها، وزعموا أن الشرائع إنما وضعت للناس الذين لا يتقيدون بمعنى الإيمان المعرفي، ويزعمون أنهم لا يحتاجون إلى ذلك كله، ويكفيهم معرفة الله؛ فلا يعولون على الخوف ولا المحبة، بل يكتفون بالرجاء.
الصنف الثاني: مرجئة الفقهاء وهم كذلك عندهم نوع انحراف عن السبيل، خاصة المتأخرة منهم، أما المرجئة الأوائل فقد يكون عندهم تعظيم للأعمال، وعندهم التزام بسنن الإسلام، لكن متأخرة المرجئة يغلبون جانب الإرجاء، ويستهينون بالكبائر والمعاصي، بل أحياناً يستهينون بالشركيات والكفريات زعماً منهم أن الناس تحت رجاء الله، فلا يعولون كثيراً على نصوص الوعيد، وإن عملوا بها يرجحون جانب الرجاء فيقعون في الخلل الذي يجعل المعاصي والفجور والبدع تكثر عندهم.