قال المؤلف حفظه الله تعالى: [ثانياً: صرف شيء من أنواع العبادة: كالدعاء، والاستغاثة، والاستعانة، والنذر، والذبح، والتوكل، والخوف، والرجاء، والحب، ونحوها لغير الله تعالى شرك، أياً كان المقصود بذلك: ملكاً مقرباً، أو نبياً مرسلاً، أو عبداً صالحاً، أو غيرهم].
الشرح: إذا قلنا: إن الله عز وجل هو واحد أحد في أسمائه وصفاته وأفعاله، وهو المستحق وحده للعبادة؛ فإذاً لا يعبد إلا الله، ثم لا يجوز صرف أي نوع من أنواع العبادة لغير الله تعالى، وأنواع العبادة كثيرة، لكن أبرزها: الدعاء، ثم الصلاة والسجود وغير ذلك من الأنواع الظاهرة البينة؛ لأن العبادة أول ما تنشأ من القلب، والعبادة القلبية خفية، ولا نعلم ما بين العبد وبين ربه عز وجل، فتبقى العبادة الظاهرة التي تبدو على الأركان.
وعلى أفعال الإنسان في سجوده وركوعه وتوجهه وقبلته وغير ذلك من الحركات التعبدية أو على أقواله، مثل: الدعاء والاستعانة والاستغاثة، أو على أفعال أخرى قد تدخل في هذا وذاك، فالذبح أمر مزدوج، فقد يذبح زاعماً أنه يذبح لله لكنه ينطق بالتسمية لغير الله، وقد يصرف العبادة اللسانية لغير الله، ولا شك أن هذا ناتج عن العبادة القلبية.
إذاً: التوجه إلى غير الله عز وجل بأي نوع من أنواع العبادة شرك، ولا يمكن أن يخفى على عاقل أنها من الأمور البينة التي يمارسها العباد بأفرادهم، فليست من الأمور الخفية، وأنواع العبادة قد يكون منها ما هو خفي يختلط فيه الأمر الغريزي بالتعبدي، فمثلاً: الصلاة لا تجوز لغير الله وهذا أمر بيِّن، والركوع والسجود -وهو جزء من الصلاة- أحياناً قد يفرد بعض الناس سجوداً لغير الله، ولو لم يكن صلاة كاملة، أو يفرد ركوعاً لغير الله، أو يتجه لغير القبلة، أو يطوف بغير الكعبة؛ وكل هذه عبادات محضة، وكلما صرفت لغير الله فهي شرك محض، وهذا بالنسبة للفعل، أما الفاعل فإنه يحتاج إلى أن نجري عليه شروط وموانع التكفير، سواء حكمنا بشركه أو ببدعته أو بنحو ذلك.
فأبرز أنواع العبادة: الدعاء والصلاة والسجود، ثم يدخل في ذلك الاستغاثة والاستعانة والذبح والتوكل والخوف والرجاء والحب، وهذه المعاني يوجد منها ما هو طبيعي غريزي فيما بين الخلق في تعاملاتهم، فهذا ليس هو الممنوع، وأمور تنبني على التقديس؛ وهذه هي العبادة، بمعنى أن نقول: الاستعانة بالمخلوقين فيما يقدرون عليه أمر مشروع، كأن تقول لأخيك: ناولني القلم، فهذا نوع من الاستعانة، ولكنها استعانة جائزة ومشروعة ولا يماري فيها إلا جاهل، لكن إذا استعنت بغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله، كأن تأتي إلى ميت وتقول: أعني على كذا، أو تأتي إلى إنسان حي تريد منه أن يأتي لك بالخوارق التي لا يقدر عليها إلا الله، أو تريد منه أن ينزل لك المطر؛ فتكون بهذا استعنت به فيما لا يقدر عليه إلا الله، فمن هنا وقع الشرك.
كذلك الاستغاثة والنذر، لكن النذر غالباً لا يكون إلا تعبدياً، ومع ذلك فإن بعض الناس قد يخلط بين النذر والقسم، وبين النذر والحقوق التي يلتزم بها للعباد، فالنذر بمعناه في الاصطلاح العام عند الناس غالباً يكون تعبدياًَ، فعلى هذا لا يجوز النذر لغير الله.
أما الذبح فله صور أبرزها صورتان: الصورة الأولى: مجرد الذبح مع التسمية لله عز وجل لأكل اللحم أو لإكرام الضيف، لغير قصد التعبد، فهذا من الأمور المباحة.
الصورة الثانية: أن تذبح تعبداً لغير الله وتقديساً لغير الله، فإذا ذبح الإنسان تعبداً لغير الله؛ فمن هنا يقع الشرك، وسواء سمى الله أو لم يسم.
والكثير من المسلمين بحمد الله في عافية من هذه الأمور، ولا يتصورونها؛ وقد يسأل سائل: هل إذا ذهبت لأذبح عند الجزار أو في البيت، وذبحت دون أن أسمي الله ناسياً، وأحياناً أسمي الله لكن قصدي إكرام هذا الضيف؛ فهل يكون هذا من باب الشرك؟
و صلى الله عليه وسلم أن هذا مشروع، لأن الذبح لإكرام الضيف سنة أبينا إبراهيم عليه السلام، وهو سنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وسنة السلف الصالح، ومن العوائد الكريمة عند الأمم.
لكن المقصود بالذبح الشركي: هو التقرب والتقديس ذبح العبادة، القربة التعبدية لغير الله بالذبح.
كذلك التوكل هو مثل الاستعانة والاستغاثة، إذا كان يعتمد الإنسان على العباد فيما يقدرون عليه، فهذا أمر جائز، لكن الأولى ألا يسمى توكلاً؛ لأن التوكل هو كمال الاعتماد، ولذلك فإن الصحيح شرعاً أن التوكل لا يكون إلا على الله عز وجل، وأن الاستعانة والاستغاثة من صور التوكل، لكنها تختلف في أنها تتعلق بالطلب من العباد، أما التوكل فهو الاعتماد الكلي، والاعتماد الكلي لا يكون إلا على الله عز وجل، وهو الاعتماد المطلق.
إذاً: التوكل إن قصد به معناه اللغوي فلا يجوز إلا على الله عز وجل، وإن قصد به الاستعانة والاستغاثة؛ فمنه ما هو ممنوع، ومنه ما هو مشروع.
وكذلك الخوف والرجاء والحب هذه معان قلبية وعاطفية توجد عند الناس، فمنها ما هو مشروع لا علاقة له بالتعبد، وهو ما بين العباد في علاقاتهم كأن ترجو من إنسان أن ينفعك رجاءً فيما يقدر عليه هو، أو تخا