Q يلتبس عند بعض الناس خاصة في تقدم الطب في العصر الحاضر أنهم يستطيعون تحديد نوعية جنس الجنين في بطن الأم في مراحل الأشهر الأولى، وأن علم الأجنة من العلم الغيبي، كيف يوفق بين هذا؟
صلى الله عليه وسلم ظهرت كشوف حديثة في الطب وغيره تقدمت في كشف بعض الأمور المغيبة عن أجدادنا، وعن البشرية في السابق فيما نعلم، وإلا فالبشرية مرت ببعض الحضارات القديمة ربما تكون وصلت إلى مثل هذه الكشوف أو قريب منها، لكن حسب ما نعلم الآن اكتشاف أشياء من الأمور التي كانت مغيبة عن السابقين لم تكن معروفة.
فكل ما يُكشف بالوسائل العلمية الثابتة ليس من الغيب، ولم يكن من الغيب من قبل، بل كان غائباً عن أناس ولم يكن من الغيب الخالص؛ لأن الغيب غيبان: غيب غائب عن مخلوقات ولم يغب عن البعض الآخر، فهذا ليس هو الغيب المقصود في القرآن والسنة، والدليل على هذا أن هناك أموراً مغيبة عن البشر لكن تدخل في مدركات الجن، وهناك أمور غائبة عن البشر وعن الجن ولكن تدخل في مدركات الملائكة، فهي ليست غائبة عن صنف من المخلوقات، ولكنها غائبة عن صنف آخر، فهذه قد لا تكون من الغيب الخالص.
أيضاً ما يتعلق بأن الله عز وجل يعلم ما في الأرحام وهذا رد، لكن هل جاء النفي القاطع بأن البشر لا يعلمون كل ما في الأرحام؟ لا.
فيجب أن تفسّر النصوص على ضوء الحقائق العلمية، ولا يمكن أن تتناقض الحقائق العلمية مع نصوص الشرع أبداً، إنما مفاهيمنا هي التي قد تقصر أحياناً.
فعلى هذا فما أشار إليه الله عز وجل من أنه يعلم ما في الأرحام، لا يعني أن الله لا يطلع عباده إذا توفرت وسائل العلم على بعض ذلك، ومع ذلك تبقى نسبة من علم مما في الأرحام لا يعلمها إلا الله كما قال: {وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ} [لقمان:34] وهذا مطلق لا يتعلق بأفراد النساء أو المسألة الفردية عند المرأة، لأن ما في الأرحام قد يدخل فيه الأمور التي تتعلق بالأرحام في المستقبل.
إذاً: لا بد أن تبقى نسبة من الغيب محجوبة، والعلماء المختصون يعترفون بذلك، فعلى هذا فإن الكشوف العلمية التي كشفت شيئاً مما يظن الناس أنه الغيب هو لم يكن من الغيب المحجوب الخالص، إنما الغيب الخالص الذي يتعلق بملكوت السماء والأرض ما لم يجعل الله للبشر عليه سبيلاً: ما يتعلق بالعرش، وبالكرسي، وباليوم الآخر هذه أمور من الغيب الخالص، وهذا لا يمكن أن يُكشف إلا بما ورد به الدليل.
إذاً: ما ينكشف للناس بالعلوم التجريبية وبالعلوم الحديثة من الأمور التي يظن أنها غيب ليس هو من الغيب الآن، وأصبح جانب الغيب جانباً آخر غير ما وصلوا إليه ولا شك، والله أعلم.