ذَلِكَ يَكْشِفُ عَنْ سَاقِهِ فَيَخِرُّ كُلُّ مَنْ كَانَ نَظَرَهُ، وَيَبْقَى قَوْمٌ ظُهُورُهُمْ كَصَيَاصِي الْبَقَرِ، يُرِيدُونَ السُّجُودَ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ، وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ، وَهُمْ سَالِمُونَ، ثُمَّ يَقُولُ: ارْفَعُوا رُءُوسَكُمْ، فَيَرْفَعُونَ رُءُوسَهُمْ، فَيُعْطِيهِمْ نُورَهُمْ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ، فَمِنْهُمْ مَنْ يُعْطَى نُورَهُ مِثْلَ الْجَبَلِ الْعَظِيمِ، يَسْعَى بَيْنَ يَدَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُعْطَى نُورَهُ أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُعْطَى نُورًا مِثْلَ النَّخْلَةِ بِيَدِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُعْطَى أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ، حَتَّى يَكُونَ آخِرُهُمْ رَجُلًا يُعْطَى نُورَهُ عَلَى إِبْهَامِ قَدَمَيْهِ يُضِيءُ مَرَّةً وَيُطْفَأُ مَرَّةً، فَإِذَا أَضَاءَ قَدَّمَ قَدَمَهُ، وَإِذَا طُفِئَ قَامَ ".
قَالَ: " وَالرَّبُّ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - أَمَامَهُمْ حَتَّى يَمُرَّ فِي النَّارِ، فَيَبْقَى أَثَرُهُ كَحَدِّ السَّيْفِ ". قَالَ: " فَيَقُولُ: مُرُّوا، فَيَمُرُّونَ عَلَى قَدْرِ نُورِهِمْ، مِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ كَطَرْفَةِ الْعَيْنِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ كَالْبَرْقِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ كَالسَّحَابِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ كَانْقِضَاضِ الْكَوْكَبِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ كَالرِّيحِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ كَشَدِّ الْفَرَسِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ كَشَدِّ الرَّحْلِ، حَتَّى يَمُرَّ الَّذِي يُعْطَى نُورُهُ عَلَى ظَهْرِ قَدَمَيْهِ، يَجْثُو عَلَى وَجْهِهِ وَيَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ، تَخِرُّ يَدٌ وَتُعَلَّقُ يَدٌ، وَتَخِرُّ رِجْلٌ وَتُعَلَّقُ رِجْلٌ، وَتُصِيبُ جَوَانِبَهُ النَّارُ، فَلَا يَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى يَخْلُصَ، فَإِذَا خَلَصَ وَقَفَ عَلَيْهَا، فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ فَقَدْ أَعْطَانِي اللَّهُ مَا لَمْ يُعْطِ أَحَدًا إِذْ نَجَّانِي مِنْهَا بَعْدَ إِذْ رَأَيْتُهَا ". قَالَ: " فَيُنْطَلَقُ بِهِ إِلَى غَدِيرٍ عِنْدَ بَابِ الْجَنَّةِ، فَيَغْتَسِلُ فَيَعُودُ إِلَيْهِ رِيحُ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَأَلْوَانُهُمْ، فَيَرَى مَا فِي الْجَنَّةِ مِنْ خَلَلِ الْبَابِ، فَيَقُولُ: رَبِّ أَدْخِلْنِي الْجَنَّةَ، فَيَقُولُ اللَّهُ: أَتَسْأَلُ الْجَنَّةَ وَقَدْ نَجَّيْتُكَ مِنَ النَّارِ؟! فَيَقُولُ: رَبِّ اجْعَلْ بَيْنِي وَبَيْنَهَا حِجَابًا لَا أَسْمَعُ حَسِيسَهَا ". قَالَ: " فَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ، وَيَرَى أَوْ يُرْفَعُ لَهُ مَنْزِلٌ أَمَامَ ذَلِكَ، كَأَنَّ مَا هُوَ فِيهِ إِلَيْهِ حُلْمٌ، فَيَقُولُ: رَبِّ أَعْطِنِي ذَلِكَ الْمَنْزِلَ، فَيَقُولُ لَهُ: لَعَلَّكَ إِنْ أَعْطَيْتُكَهُ تَسْأَلُ غَيْرَهُ، فَيَقُولُ: لَا وَعِزَّتِكَ لَا أَسْأَلُكَ غَيْرَهُ، وَأَنَّى مَنْزِلٌ أَحْسَنُ مِنْهُ؟ فَيُعْطَى فَيَنْزِلُهُ، وَيَرَى أَمَامَ ذَلِكَ مَنْزِلًا، كَأَنَّ مَا هُوَ فِيهِ إِلَيْهِ حُلْمٌ، قَالَ: رَبِّ أَعْطِنِي ذَلِكَ الْمَنْزِلَ، فَيَقُولُ اللَّهُ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - لَهُ: فَلَعَلَّكَ إِنْ أَعْطَيْتُكَهُ تَسْأَلُ غَيْرَهُ، فَيَقُولُ: لَا وَعِزَّتِكَ يَا رَبِّ لَا أَسْأَلُكَ غَيْرَهُ، وَأَنَّى مَنْزِلٌ يَكُونُ أَحْسَنَ مِنْهُ؟ قَالَ فَيُعْطَى مَنْزِلَةً. قَالَ وَيَرَى أَوْ يُرْفَعُ لَهُ أَمَامَ ذَلِكَ مَنْزِلٌ آخَرُ، كَأَنَّمَا هُوَ إِلَيْهِ حُلْمٌ، فَيَقُولُ: أَعْطِنِي ذَلِكَ الْمَنْزِلَ فَيَقُولُ اللَّهُ جَلَّ جَلَالُهُ: فَلَعَلَّكَ إِنْ أَعْطَيْتُكَهُ تَسْأَلُ غَيْرَهُ؟ قَالَ: لَا وَعِزَّتِكَ لَا أَسْأَلُ غَيْرَهُ، وَأَيُّ مَنْزِلٍ يَكُونُ أَحْسَنَ مِنْهُ؟! قَالَ: فَيُعْطَاهُ وَيَنْزِلُهُ، ثُمَّ يَسْكُتُ فَيَقُولُ اللَّهُ - جَلَّ ذِكْرُهُ -: مَا لَكَ لَا تَسْأَلُ؟ فَيَقُولُ: رَبِّ قَدْ سَأَلْتُكَ حَتَّى قَدِ اسْتَحْيَيْتُكَ، وَأَقْسَمْتُ لَكَ حَتَّى اسْتَحْيَيْتُكَ، فَيَقُولُ اللَّهُ - جَلَّ ذِكْرُهُ -: أَلَمْ تَرْضَ أَنْ أُعْطِيَكَ مِثْلَ الدُّنْيَا مُنْذُ خَلَقْتُهَا إِلَى يَوْمِ أَفْنَيْتُهَا، وَعَشْرَةَ أَضْعَافِهِ؟ فَيَقُولُ: أَتَهْزَأُ بِي وَأَنْتَ رَبُّ الْعِزَّةِ؟ فَيَضْحَكُ الرَّبُّ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - مِنْ قَوْلِهِ. قَالَ: فَرَأَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ إِذَا بَلَغَ هَذَا الْمَكَانَ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ ضَحِكَ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَدْ سَمِعْتُكَ تُحَدِّثُ هَذَا الْحَدِيثَ مِرَارًا، كُلَّمَا بَلَغْتَ هَذَا الْمَكَانَ ضَحِكْتَ! قَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ