تَفْتَحُ عَنْهُ وَتُطْعِمُهُ، فَقَالَ لَهَا: إِذَا أَرَادَ الْقَوْمُ قَتْلِي فَآذِنِينِي قَبْلَ ذَلِكَ، فَلَمَّا أَرَادُوا قَتْلَهُ أَخْبَرَتْهُ، فَقَالَ: ابْغِينِي حَدِيدَةً أَسْتَدِفُّ بِهَا - يَعْنِي أَحْلِقُ عَانَتِي - فَدَخَلَ ابْنُ الْمَرْأَةِ الَّتِي كَانَتْ تُنْجِدُهُ وَالْمُوسَى فِي يَدِهِ، فَأَخَذَ بِيَدِ الْغُلَامِ فَقَالَ: هَلْ أَمْكَنَ اللَّهُ مِنْكُمْ؟ فَقَالَتْ: مَا هَذَا ظَنِّي بِكَ. ثُمَّ نَاوَلَهَا الْمُوسَى وَقَالَ: إِنَّمَا كُنْتُ مَازِحًا.
وَخَرَجَ بِهِ الْقَوْمُ الَّذِينَ شَرِكُوا فِيهِ، وَخَرَجَ مَعَهُمْ أَهْلُ مَكَّةَ، وَخَرَجُوا مَعَهُمْ بِخَشَبَةٍ حَتَّى إِذَا كَانُوا بِالتَّنْعِيمِ نَصَبُوا تِلْكَ الْخَشَبَةَ فَصَلَبُوهُ عَلَيْهَا، وَكَانَ الَّذِي وَلِيَ قَتْلَهُ عُقْبَةُ بْنُ الْحَارِثِ، وَكَانَ أَبُو الْحُسَيْنِ صَغِيرًا وَكَانَ مَعَ الْقَوْمِ، وَإِنَّمَا قَتَلُوهُ بِالْحَارِثِ بْنِ عَامِرٍ، وَكَانَ قُتِلَ يَوْمِ بَدْرٍ كَافِرًا. وَقَالَ لَهُمْ خُبَيْبٌ عِنْدَ قَتْلِهِ: أَطْلِقُونِي مِنَ الرِّبَاطِ حَتَّى أُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ. فَأَطْلَقُوهُ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ ثُمَّ انْصَرَفَ، فَقَالَ: لَوْلَا أَنْ تَظُنُّوا أَنَّ بِي جَزَعًا مِنَ الْمَوْتِ لَطَوَّلْتُهُمَا، وَلِذَلِكَ خَفَّفْتُهُمَا.
وَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي لَا أَنْظُرُ إِلَّا فِي وَجْهِ عَدُوٍّ، اللَّهُمَّ إِنِّي لَا أَجِدُ رَسُولًا إِلَى رَسُولِكَ فَبَلِّغْهُ عَنِّي السَّلَامَ، فَجَاءَ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ.
وَقَالَ خُبَيْبٌ وَهُمْ يَرْفَعُونَهُ عَلَى الْخَشَبَةِ: اللَّهُمَّ أَحْصِهِمْ عَدَدًا، وَاقْتُلْهُمْ بَدَدًا، وَلَا تُبْقِ مِنْهُمْ أَحَدًا.
وَقَتَلَ خُبَيْبًا أَبْنَاءُ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ قُتِلُوا يَوْمَ بَدْرٍ، فَلَمَّا وَضَعُوا فِيهِ السِّلَاحَ وَهُوَ مَصْلُوبٌ نَادَوْهُ وَنَاشَدُوهُ: أَتُحِبُّ أَنَّ مُحَمَّدًا مَكَانَكَ، فَقَالَ: لَا وَاللَّهِ الْعَظِيمِ، مَا أُحِبُّ أَنْ يَفْدِيَنِي بِشَوْكَةٍ يُشَاكُهَا فِي قَدَمِهِ. فَضَحِكُوا، وَقَالَ خُبَيْبٌ حِينَ رَفَعُوهُ إِلَى الْخَشَبَةِ:
لَقَدْ جَمَعَ الْأَحْزَابُ حَوْلِي وَأَلَّبُوا ... قَبَائِلَهُمْ وَاسْتَجْمَعُوا كُلَّ مَجْمَعِ
وَقَدْ جَمَعُوا أَبْنَاءَهُمْ وَنِسَاءَهُمْ وَقُرِّبْتُ ... مِنْ جِذْعٍ طَوِيلٍ مُمَنَّعِ
إِلَى اللَّهِ أَشْكُو غُرْبَتِي ثُمَّ كُرْبَتِي ... وَمَا أَرْصَدَ الْأَحْزَابُ لِي عِنْدَ مَصْرَعِي
فَذَا الْعَرْشِ صَبِّرْنِي عَلَى مَا يُرَادُ بِي ... فَقَدْ بَضَعُوا لَحْمِي وَقَدْ بَانَ مَطْمَعِي
وَذَلِكَ فِي ذَاتِ الْإِلَهِ وَإِنْ يَشَأْ ... يُبَارِكْ عَلَى أَوْصَالِ شِلْوٍ مُمَزَّعِ
لَعَمْرِي مَا أَحْفُلُ إِذَا مُتُّ مُسْلِمًا ... عَلَى أَيِّ حَالٍ كَانَ لِلَّهِ مَضْجَعِي.
وَأَمَّا زَيْدُ بْنُ الدَّثِنَةِ فَاشْتَرَاهُ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ فَقَتَلَهُ بِأَبِيهِ أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ، قَتَلَهُ نِيطَاسُ مَوْلَى بَنِي جُمَحَ، وَقُتِلَا بِالتَّنْعِيمِ، فَدَفَنَ عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ خُبَيْبًا، وَقَالَ حَسَّانُ فِي شَأْنِ خُبَيْبٍ: