بِهِمْ فَلَمْ يَدْخُلْ رَجُلٌ مِنْهُمْ إِلَّا بِجِوَارٍ، فَأَجَارَ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ عُثْمَانَ بْنَ مَظْعُونٍ، فَلَمَّا أَبْصَرَ عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ الَّذِي يَلْقَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابَهُ مِنَ الْبَلَاءِ، وَعُذِّبَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ بِالنَّارِ وَبِالسِّيَاطِ، وَعُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ مُعَافًى لَا يَعْرِضُ لَهُ، رَجَعَ إِلَى نَفْسِهِ فَاسْتَحَبَّ الْبَلَاءَ عَلَى الْعَافِيَةِ، وَقَالَ: أَمَّا مَنْ كَانَ فِي عَهْدِ اللَّهِ وَذِمَّتِهِ، وَذِمَّةِ رَسُولِهِ الَّذِي اخْتَارَ لِأَوْلِيَائِهِ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ، وَمَنْ دَخَلَ فِيهِ فَهُوَ خَائِفٌ مُبْتَلًى بِالشِّدَّةِ وَالْكَرْبِ، عَمِدَ إِلَى الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، فَقَالَ: يَا ابْنَ عَمِّ، أَجَرْتَنِي فَأَحْسَنْتَ جِوَارِي، وَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ تُخْرِجَنِي إِلَى عَشِيرَتِكَ، فَتَبْرَأَ مِنِّي بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ. فَقَالَ لَهُ الْوَلِيدُ: ابْنَ أَخِي لَعَلَّ أَحَدًا آذَاكَ أَوْ شَتَمَكَ وَأَنْتَ فِي ذِمَّتِي، فَأَنْتَ تُرِيدُ مَنْ هُوَ أَمْنَعُ لَكَ مِنِّي، فَأَنَا أَكْفِيكَ ذَلِكَ؟ قَالَ: لَا وَاللَّهِ مَا بِي ذَلِكَ، وَمَا اعْتَرَضَ لِي مِنْ أَحَدٍ، فَلَمَّا أَبَى عُثْمَانُ إِلَّا أَنْ يَتَبَرَّأَ مِنْهُ الْوَلِيدُ أَخْرَجَهُ إِلَى الْمَسْجِدِ، وَقُرَيْشٌ فِيهِ كَأَحْفَلِ مَا كَانُوا، وَلَبِيدُ بْنُ رَبِيعَةَ الشَّاعِرُ يُنْشِدُهُمْ، فَأَخَذَ الْوَلِيدُ بِيَدِ عُثْمَانَ فَأَتَى بِهِ قُرَيْشًا، فَقَالَ: إِنَّ هَذَا غَلَبَنِي وَحَمَلَنِي عَلَى أَنْ أَنْزِلَ إِلَيْهِ عَنْ جِوَارِي، أُشْهِدُكُمْ أَنِّي بَرِيءٌ فَجَلَسَا مَعَ الْقَوْمِ، وَأَخَذَ لَبِيدٌ يُنْشِدُهُمْ فَقَالَ:
أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلَا اللَّهَ بَاطِلُ.
فَقَالَ عُثْمَانُ: صَدَقْتَ. ثُمَّ إِنْ لَبِيدًا أَنْشَدَهُمْ تَمَامَ الْبَيْتِ، فَقَالَ:
وَكُلُّ نَعِيمٍ لَا مَحَالَةَ زَائِلُ.
فَقَالَ: كَذَبْتَ. فَسَكَتَ الْقَوْمُ وَلَمْ يَدْرُوا مَا أَرَادَ بِكَلِمَتِهِ، ثُمَّ أَعَادَهَا الثَّانِيَةَ، وَأَمَرَ بِذَلِكَ، فَلَمَّا قَالَهَا قَالَ مِثْلَ كَلِمَتِهِ الْأُولَى وَالْأُخْرَى، صَدَقْتَ مَرَّةً وَكَذَبْتَ مَرَّةً، وَإِنَّمَا يُصَدِّقُهُ إِذَا ذَكَرَ كُلَّ شَيْءٍ يَفْنَى، وَإِذَا قَالَ: كُلُّ نَعِيمٍ ذَاهِبٌ كَذَّبَهُ عِنْدَ ذَلِكَ؛ إِنَّ نَعِيمَ أَهْلِ الْجَنَّةِ لَا يَزُولُ، نَزَعَ عِنْدَ ذَلِكَ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ فَلَطَمَ عَيْنَ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ، فَاخْضَرَّتْ مَكَانَهَا، فَقَالَ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ وَأَصْحَابُهُ: قَدْ كُنْتَ فِي ذِمَّةٍ مَانِعَةٍ مَمْنُوعَةٍ فَخَرَجْتَ مِنْهَا إِلَى هَذَا، فَكُنْتَ عَمَّا لَقِيتَ غَنِيًّا، ثُمَّ ضَحِكُوا، فَقَالَ عُثْمَانُ: بَلْ كُنْتُ إِلَى هَذَا الَّذِي لَقِيتُ مِنْكُمْ فَقِيرًا، وَعَيْنِي الَّتِي لَمْ تُلْطَمْ إِلَى مِثْلِ هَذَا الَّذِي لَقِيتُ، صَاحِبَتُهَا فَقِيرَةٌ لِي فِيمَنْ هُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْكُمْ أُسْوَةً، فَقَالَ لَهُ الْوَلِيدُ: إِنْ شِئْتَ أَجَرْتُكَ الثَّانِيَةَ. قَالَ: لَا أَرَبَ لِي فِي جِوَارِكَ».
رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ هَكَذَا مُرْسَلًا، وَفِيهِ ابْنُ لَهِيعَةَ أَيْضًا.