فَيَسَعُهُ الْمَيْلُ إلَيْهِ (وَيُؤْجَرُ بِالصَّبْرِ عَلَى التَّلَفِ) «؛ لِأَنَّ خُبَيْبًا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَدْ صَبَرَ حِينَ اُبْتُلِيَ حَتَّى صُلِبَ وَلَمْ يُظْهِرْ كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَسَمَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَيِّدَ الشُّهَدَاءِ وَقَالَ فِي مِثْلِهِ هُوَ رَفِيقِي فِي الْجَنَّةِ» وَلِأَنَّ الْحُرْمَةَ قَائِمَةٌ وَالِامْتِنَاعَ عَزِيمَةٌ فَإِذَا بَدَّلَ نَفْسَهُ لِإِعْزَازِ الدِّينِ وَإِقَامَةِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى كَانَ شَهِيدًا.

وَفِي الْإِصْلَاحِ وَغَيْرِهِ تَفْصِيلٌ فَلْيُطَالَعْ (وَلَا رُخْصَةَ) عَلَى إجْرَاءِ الْكُفْرِ عَلَى اللِّسَانِ (بِغَيْرِهِمَا) أَيْ بِغَيْرِ الْقَتْلِ وَالْقَطْعِ؛ لِأَنَّ غَيْرَهُمَا لَيْسَ بِمُلْجِئٍ.

(وَإِنْ أُكْرِهَ عَلَى إتْلَافِ مَالِ مُسْلِمٍ بِأَحَدِهِمَا) أَيْ بِالْقَتْلِ أَوْ الْقَطْعِ (رُخِّصَ) الْإِتْلَافُ (لَهُ) أَيْ لِلْمُكْرَهِ؛ لِأَنَّ إتْلَافَ مَالِ الْغَيْرِ يُسْتَبَاحُ لِلضَّرُورَةِ كَمَا فِي الْمَخْمَصَةِ وَقَدْ ثَبَتَتْ (وَالضَّمَانُ عَلَى الْمُكْرِهِ) بِالْكَسْرِ لِأَنَّ الْمُكْرَهَ فِي حَقِّ الْإِتْلَافِ آلَةٌ لِلْمُكْرِهِ فَلَمْ يَلْزَمْ عَلَيْهِ الضَّمَانُ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى الِاحْتِرَازِ عَنْ الْأَكْلِ وَالتَّكَلُّمِ وَالْوَطْءِ فَإِنَّ فِيهَا لَا يَصْلُحُ آلَةً وَإِلَى أَنَّ الْمُكْرَهَ عَلَى الْأَخْذِ وَالدَّفْعِ إلَى الْمُكْرِهِ إنَّمَا يَسَعُهُ إذَا كَانَ حَاضِرًا عِنْدَ الْمُكْرِهِ فَإِنْ كَانَ أَرْسَلَهُ لِيَفْعَلَ فَخَافَ إنْ ظَفَرَ يَفْعَلُ مَا يُوعِدُهُ لَمْ يَحِلَّ لَهُ الْإِقْدَامُ عَلَى ذَلِكَ لِزَوَالِ الْقُدْرَةِ عَلَى ذَلِكَ وَالْإِنْجَاءُ بِالْبُعْدِ مِنْهُ وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا عُذْرَ لِأَعْوَانِ الظَّلَمَةِ فِي أَخْذِ الْأَمْوَالِ مِنْ النَّاسِ عِنْدَ غِيبَةِ الْآمِرِينَ وَتَعَلُّلَهُمْ بِأَمْرِهِمْ وَالْخَوْفَ مِنْ عُقُوبَتِهِمْ لَيْسَ بِعُذْرٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ رَسُولُ الْآمِرِ مَعَهُ عَلَى أَنْ يَرُدَّهُ عَلَيْهِ فَيَكُونَ بِمَنْزِلَةِ حُضُورِ الْآمِرِ.

(أَوْ) إنْ أُكْرِهَ (عَلَى قَتْلِهِ) أَيْ قَتْلِ غَيْرِهِ (أَوْ قَطْعِ عُضْوِهِ) بِالْقَتْلِ أَوْ الْقَطْعِ (لَا يُرَخَّصُ) لَهُ فِي ذَلِكَ بَلْ يَلْزَمُ الصَّبْرُ عَلَيْهِ فَإِنْ قَتَلَهُ أَثِمَ؛ لِأَنَّ قَتْلَ الْمُسْلِمِ حَرَامٌ لَا يُبَاحُ لِضَرُورَةٍ مَا

فَكَذَا بِهَذِهِ الضَّرُورَةِ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقْتُلْهُ قَتَلَهُ وَكَذَا لَوْ أُكْرِهَ عَلَى الزِّنَا لَا يُرَخَّصُ وَفِي جَانِبِ الْمَرْأَةِ يُرَخَّصُ لَهَا الزِّنَاءُ بِالْإِكْرَاهِ الْمُلْجِئِ وَلَا يَلْزَمُ عَلَيْهَا الْحَدُّ كَمَا فِي التَّنْوِيرِ إذَا أُكْرِهَتْ بِغَيْرِ مُلْجِئٍ (فَإِنْ فَعَلَ) أَيْ إنْ قَتَلَ أَوْ قَطَعَ الْعُضْوَ بِالْكُرْهِ (فَالْقِصَاصُ عَلَى الْمُكْرِهِ) بِكَسْرِ الرَّاءِ (فَقَطْ) أَيْ دُونَ الْمُكْرَهِ بِالْفَتْحِ إنْ كَانَ الْقَتْلُ عَمْدًا لِكَوْنِهِ حَامِلًا وَلَا يُقْتَصُّ مِنْ الْقَاتِلِ؛ لِأَنَّهُ آلَةٌ لَهُ كَالسَّيْفِ هَذَا عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا) يَجِبُ (قِصَاصٌ عَلَى أَحَدٍ) مِنْهُمَا لِأَنَّ الْحَدَّ مُضَافٌ إلَى الْمُكْرَهِ مِنْ وَجْهٍ؛ لِأَنَّهُ الْمُبَاشِرُ وَإِلَى الْمُكْرِهِ مِنْ وَجْهٍ؛ لِأَنَّهُ الْحَامِلُ فَهُوَ كَالدَّافِعِ إلَى الْقَتْلِ فَتَمَكَّنَتْ فِيهِ الشُّبْهَةُ فِي الْجَانِبَيْنِ فَلَا قِصَاصَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَالدِّيَةُ مِنْ مَالِهِمَا إذْ الْعَاقِلَةُ لَا تَتَحَمَّلُهَا فِي الْعَمْدِ وَعِنْدَ زُفَرَ يُقْتَصُّ مِنْ الْفَاعِلِ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُبَاشِرُ حَقِيقَةً وَكَذَا حُكْمًا لَا عَلَى الْمُكْرِهِ وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ يُقْتَصُّ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا لِكَوْنِ الْفَاعِلِ مُبَاشِرًا وَالْحَامِلِ سَبَبًا.

(وَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى أَنْ يَتَرَدَّى) أَيْ يَسْقُطَ (مِنْ جَبَلٍ فَفَعَلَ) أَيْ تَرَدَّى (فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَةِ الْمُكْرِهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَوْ بَاشَرَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْقَتْلِ بِالْمُثْقَلِ بَلْ فِيهِ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ فَكَذَا إذَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ وَهَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015