وكان عامله على المدينة مروان بن الحكم، فلمّا قدم المدينة هيّأ له مروان طعاما فأكثره وجوّده، فلمّا حضر الغداء جاء متطبّب نصرانيّ لمعاوية فوقف فجعل إذا مرّ لون قال: كل يا أمير المؤمنين! من هذا، وإذا اتي بلون ظنّ أنّه لا يوافقه، قال: لا تأكل من هذا؛ ثمّ أقبل زنجيّان مؤتزران بريطتين بيضاوين يدلحان بجفنة لها أربع حلقات مترعة حيسا، فلمّا رءاها معاوية استشرف لها وحسر عن ذراعيه، فقال الطبيب: أيّ شيء تريد؟ يا أمير المؤمنين! قال: أريد والله أواقع ما ترى؛ قال: أمزّق ثيابي، قال: ولو مزّقت بطنك؛ فجعل يدبل مثل دبل البعير ويقذف في جوفه، حتى إذا نهل قال: يا مروان! ما حيسكم هذا؟ قال: يا أمير المؤمنين! عجوة ناعميّة، وإقطة مزنيّة وسمنة جهنيّة. قال: هذه أشفية جمعت لا كما يقول هذا النصرانيّ.
كان أخباريّا عالما، له معرفة بالأدب واطّلاع على التواريخ والسير، أنشد للجاحظ: (?)
سقام الحرص ليس له دواء ... وداء الجهل ليس له طبيب
وطيب العيش أن تلقى حكيما ... غذاه العلم والنظر المصيب