وفي الشروط مسألتان:

المسألة الأولى: في الشرط الثاني قال صاحب الجواهر: يكفي أصل المنفعة وإن قَلَّت، وقلت قيمتها، فيصح بيع التراب والماء ولبن الآدميات، وقاله الشافعي وابن حنبل قياساً على لبن الغنم.

وقال أبو حنيفة رضي الله عنهم أجمعين: لا يجوز بيعه ولا أكله؛ لأنه جزء حيوان منفصل عنه في حياته فيحرم أكله فيمتنع بيعه.

وجوابه القياس المتقدم، وفرق هو بشرف الآدمي، وإباحة لبنه هو أنه استثنى منه الرضاع للضرورة، وبقي ما عداه على الأصل بخلاف الأنعام، بدليل تحريم لحمه تشريفاً له.

ويندفع الفرق بما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها أرضعت كبيراً فحرم عليها، فلو كان حراماً لما فعلت ذلك. ولم ينكر عليها أحد من الصحابة، فكان ذلك إجماعاً على إلغاء هذا الفرق.

وعلق على ذلك صاحب إدرار الشروق بقوله: (قلت ما قاله من أن فرق الحنفية يندفع بما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها أرضعت كبيراً فحرم عليها، لقائل أن يقول: لا يندفع بذلك، لجعل رضاع الكبير لقصد ثبوت التحريم، داخلاً فيما استثني للضرورة..) .

الشافعية: جاء في المجموع جـ9 ص 276:

(فرع) بيع لبن الآدميات جائز عندنا لا كراهة فيه، هذا هو المذهب، وقطع به الأصحاب إلا الماوردي والشاشي والروياني، فحكوا وجهاً شاذا عن ابن القاسم الأنماطي من أصحابنا أنه نجس لا يجوز بيعه، وإنما يربى به الصغير للحاجة، وهذا الوجه غلط من قائله، وقد سبق بيانه في باب إزالة النجاسة، فالصواب جواز بيعه، قال الشيخ أبو حامد: هكذا قاله الأصحاب، قال: ولا نص للشافعي في المسألة، هذا مذهبنا.

وقال أبو حنيفة ومالك: لا يجوز بيعه. وعن أحمد روايتان كالمذهبين.

واحتج المانعون بأنه لا يباع في العادة، وبأنه فضلة آدمي فلم يجز بيعه، كالدمع والعرق والمخاط، وبأن ما لا يجوز بيعه متصلاً لا يجوز بيعه منفصلاً، كشعر الآدمي، ولأنه لا يؤكل لحمها فلا يجوز بيع لبنها كالأتان.

واحتج أصحابنا بأنه لبن طاهر منتفع به، فجاز بيعه كلبن الشاة، ولأنه غذاء للآدمي فجاز بيعه كالخبز (فإن قيل) : هذا منتقض بدم الحيض فإنه غذاء للجنين ولا يجوز بيعه.

قال القاضي أبو الطيب في تعليقه: (فالجواب) أن هذا ليس بصحيح ولا يتغذى الجنين بدم الحيض، بل يولد وفمه مسدود لا طريق فيه لجريان الدم، وعلى وجهه المشيمة، ولهذا أجنة البهائم تعيش في البطون ولا حيض لها، ولأنه مائع يحل شربه فجاز بيعه كلبن الشاة. قال الشيخ أبو حامد: (فإن قيل) : ينتقض بالعرق (قلنا) : لا نسلم بل يحل شربه، (وأما) الجواب عن قولهم: لا يباع في العادة، فإنه لا يلزم من عدم بيعه في العادة أن لا يصح بيعه، ولهذا يجوز بيع بيض العصافير، وبيع الطحال، ونحو ذلك مما لا يباع في العادة، والجواب عن القياس على الدمع والعرق والمخاط أنه لا منفعة فيه بخلاف اللبن، وعن البيض بأنه لا يجوز الانتفاع به بخلاف اللبن، وعن لبن الأتان بأنه نجس بخلاف لبن الآدمية، والله تعالى أعلم) .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015