حكم الانتفاع بميتة الإنسان
لما كانت الميتة تارة تكون ميتة حيوان يحل أكله أو لا يحل أكله، وتارة تكون ميتة إنسان، فإنه من المتفق عليه أنه إذا توافرت هذه الأنواع من الميتة جميعها فإنه يبدأ بالانتفاع بميتة الحيوان الذي يحل أكله، ويأتي بعد الحيوان الذي لا يحل أكله وأخيراً ميتة الإنسان.
ونبسط الحديث عن النوع الأخير مبينين آراء الفقهاء في الانتفاع بميتة الإنسان في حالة الاضطرار. ثم نتبع بما نرى ترجيح الأخذ به:
1- آراء الفقهاء في الانتفاع بميتة الإنسان عند الاضطرار.
الحنفية: جاء في الأشباه لابن نجيم ص 87: (ولا يأكل المضطر طعام مضطر آخر ولا شيئاً من بدنه) (وجاء في رد المحتار على الدر المختار ج5 ص (331) : (الأكل للغذاء والشرب للعطس ولو من حرام أو ميتة أو مال غيره وإن ضمنه فرض يثاب عليه بحكم الحديث (?) . ولكن مقدار ما يدفع الهلاك عن نفسه، ومأجور عليه، وهو مقدار ما يتمكن به من الصلاة قائماً، ومن صومه....
ثم علق عليه ابن عابدين على قوله: (ولو من حرام) بقوله: (ولو خاف الهلاك عطشاً وعنده خمر له شربه قدر ما يدفع العطش إن علم أنه يدفعه (بزازية) ويقدم الخمر على البول (تاترخانية) ثم علق على قوله: (وإن ضمنه (بقوله: لأن الإباحة للاضطرار لا تنافي الضمان، وفي البزازية خاف الموت جوعاً، ومع رفيقه طعام أخذ بالقيمة منه قدر ما يسد جوعه، وكذا يأخذ قدر ما يدفع العطش، فإن امتنع قاتله بلا سلاح، فإن خالف الرفيق والموت جوعاً أو عطشاً ترك له البعض، وإن قال له آخر: اقطع يدي وكلها، لا يحل، لأن جسم الإنسان لا يباح في الاضطرار لكرامته..) .
وجاء في البدائع ج5 ص 132: (ولو سقط سنه يكره أن يأخذ سن ميت فيشدها مكان الأولى بالإجماع، وكذا يكره أن يعيد تلك السن الساقطة مكانها عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله، ولكن يأخذ سن شاة ذكية فيشدها مكانها.
وقال أبو يوسف رحمه الله: لا بأس بسنه، ويكره سن غيره، قال، ولا يشبه سنه سن ميت. استحسن ذلك، وبينهما عندي فصل، ولكن لم يحضرني (ووجه) الفصل من وجهين أحدهما أن سن نفسه جزء منفصل للحال عنه لكنه يحتمل أن يصير متصلاً في الثاني، بأن يلئتم فليتئم بنفسه فيعود إلى حالته الأولى، وإعادة جزء منفصل إلى مكانه ليلتئم جائز، كما إذا قطع شيء من عضو فأعاده إلى مكانه، فأما نفس غيره فلا يحتمل ذلك.
والثاني أن استعمال جزء منفصل عن غيره من بني آدم إهانة بذلك الغير، والآدمي بجميع أجزائه يكرم ولا إهانة في استعمال جزء نفسه في الإعادة إلى مكانه.
(وجه) قولهما: إن السن من الآدمي جزء منه إذا انفصل استحق الدفن ككله، والإعادة صرف له عن جهة الاستحقاق فلا تجوز وهذا لا يوجب الفصل بين سنه وسن غيره.