وإزاء ذلك وإعمالاً للأحاديث جميعاً، وعلى ضوء سبر علة التحريم في كل هذه المحرمات، وانطلاقاً من مبدأ انفراد الخمر بخواص تخالف غيرها من المحرمات أرى أن رأي الشافعية هو الرأي الراجح، وهو جواز التداوي بجمع النجاسات ـ سوى المسكر ـ وذلك عند عدم وجود دواء غيره يغني عنه، ويقوم مقامه من الطاهرات، فإذا لم يوجد غير المسكر دواء جاز التداوي به للضرورة، إنقاذاً للنفس البشرية من الهلاك ... (?) {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ} [الآية 173 من البقرة] .

وتطبيقاً لذلك يجوز تداوي النفس البشرية بما أحل الله تناوله والتداوي به، وكما يجوز تداويها بالمحرم إذا تعين علاجاً لها على يد طبيب مسلم حاذق.

جاء في العناية للبابرتي هامش تكملة فتح القدير ج8 ص 134 قوله: (ولا بأس بالحقنة يريد به التداوي إلا أنه لا ينبغي أن يستعمل المحرم كالخمر ونحوها؛ لأن الاستشفاء بالمحرم حرام، قيل: إذا لم يعلم أن فيه شفاء، فإن علم أن فيه شفاء وليس له دواء آخر غيره يجوز له الاستشفاء به، ومعنى قول ابن مسعود رضي الله عنه: (إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم) يحتمل أن عبد الله قال ذلك في داء عرف له دواء غير محرم؛ لأنه يستغنى بالحلال عن الحرام، ويجوز أن يقال: تنكشف الحرمة عند الحاجة، فلا يكون الشفاء بالحرام، وإنما يكون بالحلال) .

ومثله في (رد المحتار لابن عابدين ج4 ص224 في مطلب في التداوي بالمحرم فقال: (إن صاحب الخانبة والنهابة اختارا جواز بيع الحيات إن انتفع بها في الأدوية، إن علم أن فيه شفاء ولم يجد دواء غيره. قال في النهاية وفي التهذيب يجوز للعليل شرب البول والدم والميتة للتداوي إذا أخبره طبيب مسلم أن فيه شفاء ولم يجد من المباح ما يقوم مقامه، وإن قال الطبيب: يتعجل شفاؤك به فيه وجهان، كذا ذكره الإمام التمرتاشي، وكذا في الذخيرة، وما قيل: إن الاستشفاء بالحرام حرام غير مجرى على إطلاقه، وأن الاستشفاء بالحرام إنما لا يجوز إذا لم يعلم أن فيه شفاء، أما إذا علم وليس له دواء غيره يجوز. ومعنى قول ابن مسعود رضي الله عنه: لم يجعل شفاءكم فيما حرام عليكم (يحتمل أن يكون قال ذلك في داء عرف له دواء غير محرم، لأنه حينئذ يستغنى بالحلال عن الحرام، ويجوز أن يقال: تنكشف الحرمة عند الحاجة فلا يكون الشفاء بالحرام وإنما يكون بالحلال) (?)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015