أيها الإخوة
إن إسهام الإسلام في حضارة الإنسان، وخاصة في مجالات علم الأحياء والفلك والتجارة والجغرافيا والقانون والرياضيات والطب والعلوم الطبيعية والمؤسسات الاجتماعية، لإسهام كبير واسع ومتنوع ومنظم يعترف به غير المسلمين.
فمن المعروف في ميدان القانون مثلاً أن " نابليون بونابرت " تأثر تأثراً عميقاً، حين وضع مدونة القوانين الفرنسية، بالقرآن الكريم، ومن المعروف في تاريخ القانون التجاري أن الحوالات (وهي الوثائق التي تحول بها الديون) لم تكن معروفة في أوروبا قبل القرن الثاني عشر الميلادي مع أنها كانت معروفة ومسجلة في الكتب الإسلامية التي يرجع عهدها إلى القرن الثامن الميلادي، ويقال: إن التعامل بمثل هذه الوثائق قد أدخل إلى الغرب إبان الحروب الصليبية عن طريق إيطاليا، من ناحية، وعن طريق الأندلس، من ناحية ثانية، حين كانت بلداً عربياً.
وعرف الغرب بعد ذلك فكرة شركات المساهمة من المشروعات التجارية المشتركة للتجار المسلمين والإيطاليين.
ونبعت فكرة المشاركة المحدودة من " القراض " لدى المسلمين.
وقانون العقود مدين بالكثير للقرآن الكريم الذي يمنح العقود مكانة كبيرة.
ويشير البروفيسور " ووكر " في كتابه " تاريخ الأمم وقوانينها " إلى المؤلفات العربية القديمة حول القانون الدولي التي كانت تلقى إقبالا شديداً في جامعات أوروبا، وإلى أن كتب " جورا بيللي " ـ أن قوانين الحرب ـ بنيت كلها على مؤلفات رجال القانون العرب.
ويمكن أن نرجع أصل اتفاقية فيينا حول قانون المعاهدات إلى الطريقة التي اتبعها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الاتفاقيات التي كان قد أبرمها ولا سيما " معاهدة الحديبية ".
وقبل أن توضع اتفاقية الحصانة الدبلوماسية بوقت طويل، كان رسول الله يمنح مثل تلك الحصانة للسفراء والوفود التي كانت تفد عليه صلى الله عليه وسلم.
ويقول البروفسير " رفائيل لامكين " الذي صاغ للأمم المتحدة ما أصبح يعرف باتفاقية " منع الإبادة الجماعية ": إنه صاغ هذه الاتفاقية وفقاً لما جاء في القرآن الكريم الذي هو على حد تعبيره، أكثر الأديان التي عرفها الإنسان تسامحاً وتفتحاً.
وليس الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في حقيقة الأمر سوى صدى لما انطوت عليه " خطبة الوداع " التي خاطب بها الرسول الكريم المسلمين قبل أربعة عشر قرناً، وبين فيها أنه لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى.